في ذلك، لان الاحكام المعقولة المعاني في الشرع أكثرها هي من باب محاسن الأخلاق ، أو من باب المصالح وهذه في الأكثر هي مندوب إليها، فمن حمل قوله تعالى وثيابك فطهر) * على الثياب المحسوسة قال: الطهارة من النجاسة واجبة، ومن حملها على الكناية عن طهارة القلب لم ير فيها حجة، وأما الآثار المتعارضة في ذلك، فمنها حديث صاحبي القبر المشهور، وقوله فيهما (ص): إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله فظاهر هذا الحديث يقتضي الوجوب، لان العذاب لا يتعلق إلا بالواجب، وأما المعارض لذلك فما ثبت عنه عليه الصلاة والسلام من: أنه رمي عليه، وهو في الصلاة سلا جزور بالدم والفرث، فلم يقطع الصلاة وظاهر هذا أنه لو كانت إزالة النجاسة واجبة كوجوب الطهارة من الحدث، لقطع الصلاة، ومنها ما روي: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في صلاة من الصلوات يصلي في نعله. فطرح نعليه، فطرح الناس لطرحه نعليه، فأنكر ذلك عليهم عليه الصلاة والسلام وقال: إنما خلعتها، لان جبريل أخبرني أن فيها قذرا. فظاهر هذا أنه لو كانت واجبة لما بنى على ما مضى من الصلاة. فمن ذهب في هذه الآثار مذهب ترجيح الظواهر، قال: إما بالوجوب إن رجح ظاهر حديث الوجوب، أو بالندب إن رجح ظاهر حديثي الندب، أعني الحديثين اللذين يقتضيان أن إزالتها من باب الندب المؤكد، ومن ذهب مذهب الجمع، فمنهم من قال: هي فرض مع الذكر والقدرة ساقطة مع النسيان وعدم القدرة. ومنهم من قال: هي فرض مطلقا، وليست من شروط صحة الصلاة، وهي قول رابع في المسألة وهو ضعيف، لأن النجاسة إنما تزال في الصلاة وكذلك من فرق بين العبادة المعقولة المعنى، وبين الغير معقولة أعني أنه جعل الغير معقولة آكد في باب الوجوب فرق بين الامر الوارد في الطهارة من الحدث، وبين الامر الوارد في الطهارة من النجس، لأن الطهارة من النجس معلوم أن المقصود بها النظافة، وذلك من محاسن الأخلاق. وأما الطهارة من الحدث فغير معقولة المعنى مع ما اقترن من صلاتهم في النعال مع أنها لا تنفعك من أن يوطأ بها النجاسات غالبا، وما أجمعوا عليه من العفو عن اليسير في بعض النجاسات.
الباب الثاني في معرفة أنواع النجاسات وأما أنواع النجاسات، فإن العلماء اتفقوا من أعيانها على أربعة: ميتة الحيوان ذي الدم الذي ليس بمائي، وعلى لحم الخنزير بأي سبب اتفق أن تذهب حياته، وعلى الدم نفسه من الحيوان الذي ليس بمائي انفصل من الحي أو الميت إذا كان مسفوحا، أعني كثيرا، وعلى بول ابن آدم ورجيعه، وأكثرهم على نجاسة الخمر، وفي ذلك خلاف عن