قياما وإن النبي عليه الصلاة والسلام كان جالسا، فوجب أن يكون هذا من فعله عليه الصلاة والسلام، إذ كان آخر فعله ناسخا لقوله وفعله المتقدم. وأما من ذهب مذهب الترجيح، فإنهم رجحوا حديث أنس بأن قالوا: إن هذا الحديث قد اضطربت الرواية عن عائشة فيه فيمن كان الامام هل رسول الله (ص) أو أبو بكر؟ وأما مالك فليس له مستند من السماع، لان كلا الحديثين اتفقا على جواز إمامة القاعد، وإنما اختلفا في قيام المأموم أو قعوده حتى إنه لقد قال أبو محمد بن حزم إنه ليس في حديث عائشة أن الناس صلوا، لا قياما، ولا قعودا، وليس يجب أن يترك المنصوص عليه لشئ لم ينص عليه. قال أبو عمر: وقد ذكر أبو المصعب في مختصره عن مالك أنه قال: لا يؤم الناس أحد قاعدا، فإن أمهم قاعدا فسدت صلاتهم وصلاته، لان النبي (ص) قال: لا يؤمن بعدي قاعدا. قال أبو عمر: وهذا حديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث لأنه يرويه جابر الجعفي مرسلا، وليس بحجة فيما أسند، فكيف فيما أرسل؟ وقد روى ابن القاسم عن مالك أنه كان يحتج بما رواه ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن رسول الله (ص) خرج وهو مريض، فكان أبو بكر هو الامام، وكان رسول الله (ص) يصلي بصلاة أبي بكر، وقال: ما مات نبي حتى يؤمه رجل من أمته. وهذا ليس فيه حجة إلا أن يتوهم أنه ائتم بأبي بكر لأنه لا تجوز صلاة الامام القاعد، وهذا ظن لا يجب أن يترك له النص مع ضعف هذا الحديث.
الفصل الخامس: في صفة الاتباع وفيه مسألتان: إحداهما: في وقت تكبيرة الاحرام للمأموم، والثانية: في حكم من رفع رأسه قبل الامام. أما اختلافهم في وقت تكبيرة المأموم، فإن مالكا استحسن أن يكبر بعد فراغ الامام من تكبيرة الاحرام، قال: وإن كبر معه، أجزأه، وقد قيل إنه لا يجزئه، وأما إن كبر قبله، فلا يجزئه. وقال أبو حنيفة وغيره: يكبر مع تكبيرة الامام، فإن فرغ قبله، لم يجزه. وأما الشافعي فعنه في ذلك روايتان: إحداهما مثل قول مالك، وهو الأشهر، والثانية أن المأموم إن كبر قبل الامام أجزأه. وسبب الخلاف: أن في ذلك حديثين متعارضين: أحدهما: قوله عليه الصلاة والسلام: فإذا كبر، فكبروا، والثاني: ما روي: أنه عليه الصلاة والسلام كبر في صلاة من الصلوات، ثم أشار إليهم أن امكثوا، فذهب ثم رجع، وعلى رأسه أثر الماء فظاهر هذا أن تكبيره وقع بعد تكبيرهم، لأنه لم يكن له تكبير أولا لمكان عدم الطهارة، وهو أيضا مبني على أصله في أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الامام، نفوه، فليس ينبغي أن يحمل على أحدهما إلا بتوقيف والأصل هو الاتباع، وذلك لا يكون إلا بعد أن يتقدم الامام، إما بالتكبير وإما بافتتاحه. وأما من رفع رأسه قبل الامام، فإن الجمهور يرون أنه أساء، ولكن صلاته جائزة، وأنه يجب عليه أن يرجع، فيتبع الامام