وأما المسألة الثالثة: وهي ضم الذهب إلى الفضة في الزكاة، فإن عند مالك، وأبي حنيفة، وجماعة أنها تضم الدراهم إلى الدنانير، فإذا كمل من مجموعهما نصاب وجبت فيه الزكاة. وقال الشافعي وأبو ثور وداود: لا يضم ذهب إلى فضة، ولا فضة إلى ذهب.
وسبب اختلافهم: هل كل واحد منهما يجب فيها الزكاة لعينه، أم لسبب يعمهما، وهو كونهما كما يقول الفقهاء رؤوس الأموال، وقيم المتلفات؟ فمن رأى أن المعتبر في كل واحد منهما، هو عينه، ولذلك اختلف النصاب فيهما، قال: هما جنسان لا يضم أحدهما إلى الثاني كالحال في البقر والغنم. ومن رأى أن المعتبر فيهما هو ذلك الامر الجامع الذي قلناه، أوجب ضم بعضهما إلى بعض. ويشبه أن يكون الأظهر اختلاف الاحكام حيث تختلف الأسماء، وتختلف الموجودات أنفسها، وإن كان قد يوهم اتحادهما اتفاق المنافع، وهو الذي اعتمده مالك رحمه الله في هذا الباب، وفي باب الربا. والذين أجازوا ضمهم اختلفوا في صفة الضم، فرأى مالك ضمهما بصرف محدود، وذلك بأن ينزل الدينار بعشرة دراهم على ما كانت عليه قديما، فمن كانت عنده عشرة دنانير ومائة درهم: وجبت عليه فيهما الزكاة عنده، وجاز أن يخرج من الواحد عن الآخر. وقال من هؤلاء آخرون: تضم بالقيمة في وقت الزكاة، فمن كانت عنده مثلا مائة درهم وتسعة مثاقيل قيمتها مائة درهم، وجبت عليه فيهما الزكاة، ومن كانت عنده مائة درهم تساوي أحد عشر مثقالا، وتسعة مثاقيل، وجبت عليه أيضا فيهما الزكاة، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وبمثل هذا القول قال الثوري، إلا أنه يراعي الأحوط للمساكين في الضم: أعني القيمة، أو الصرف المحدود.
ومنهم من قال: يضم الأقل منها إلى الأكثر، ولا يضم الأكثر إلى الأقل. وقال آخرون:
تضم الدنانير بقيمتها أبدا، كانت الدنانير أقل من الدراهم، أو أكثر، ولا تضم الدراهم إلى الدنانير، لان الدراهم أصل والدنانير فرع: إذ كان لم يثبت في الدنانير حديث، ولا إجماع حتى تبلغ أربعين. وقال بعضهم: إذا كان عنده نصاب من أحدهما ضم إليه قليل الآخر، وكثيره ولم ير الضم في تكميل النصاب، إذا لم يكن في واحد منهما نصاب، بل في مجموعهما. وسبب هذا الارتباك: ما راموه من أن يجعلوا من شيئين نصابهما مختلف في الوزن نصابا واحدا. وهذا كله لا معنى له، ولعل من رام ضم أحدهما إلى الآخر، فقد أحدث حكما في الشرع حيث لا حكم، لأنه قد قال: بنصاب ليس هو بنصاب ذهب ب، ولا فضة، ويستحيل في عادة التكليف، والامر بالبيان أن يكون في أمثال هذه الأشياء المحتملة حكم مخصوص فيسكت عنه الشارع حتى يكون سكوته سببا لان يعرض فيه من الاختلاف ما مقداره هذا المقدار، والشارع إنما بعث (ص) لرفع الاختلاف.
وأما المسألة الرابعة: فإن عند مالك، وأبي حنيفة أن الشريكين ليس يجب على أحدهما زكاة حتى يكون لكل واحد منهما نصاب وعند الشافعي أن المال المشترك حكمه حكم