الامام يقول ربنا ولك الحمد، فلا يجب أن يترك النص بدليل الخطاب، فإن النص أقوى من دليل الخطاب، وحديث أنس يقتضي بعمومه أن المأموم يقول: سمع الله لمن حمده بعموم قوله: إنما جعل الامام ليؤتم به وبدليل خطابه ألا يقولها، فوج أن يرجح بين العموم، ودليل الخطاب، ولا خلاف أن العموم أقوى من دليل الخطاب، لكن العموم يختلف أيضا في القوة، والضعف، ولذلك ليس يبعد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوم من بعض أدلة العموم، فالمسألة لعمري اجتهادية: أعني في المأموم.
وأما المسألة الثانية: وهي صلاة القائم خلف القاعد، فإن حاصل القول فيها أن العلماء اتفقوا على أنه ليس للصحيح أن يصلي فرضا قاعدا إذا كان منفردا، أو إماما لقوله تعالى: * (وقوموا لله قانتين) * واختلفوا إذا كان المأموم صحيحا فصلى خلف إمام مريض يصلي قاعدا على ثلاثة أقوال: أحدها: أن المأموم يصلي خلفه قاعدا، وممن قال بهذا القول أحمد، وإسحاق. والقول الثاني: أنهم يصلون خلفه قياما. قال أبو عمر بن عبد البر: وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار: الشافعي، وأصحابه، وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر، وأبو ثور، وغيرهم، وزاد هؤلاء، فقالوا: يصلون وراءه قياما، وإن كان لا يقوى على الركوع، والسجود، بل يومئ إيماء. وروى ابن القاسم أنه لا تجوز إمامة القاعد، وأنه إن صلوا خلفه قياما أو قعودا بطلت صلاتهم. وقد روي عن مالك أنهم يعيدون الصلاة في الوقت، وهذا إنما بني على الكراهة، لا على المنع، والأول هو المشهور عنه. وسبب الاختلاف: تعارض الآثار في ذلك، ومعارضة العمل للآثار: أعني عمل أهل المدينة عند مالك، وذلك أن في ذلك حديثين متعارضين: أحدهما: حديث أنس، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا وحديث عائشة في في معناه، وهو أنه (ص) وهو شاك جالسا وصل وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال:
إنما جعل الامام ليؤتم به، فإذا ركع، فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسا، فصلوا جلوسا. والحديث الثاني: حديث عائشة: أن رسول الله (ص) خرج في مرضه الذي توفي منه، فأتى المسجد، فوجد أبا بكر، وهو قائم يصلي بالناس، فاستأخر أبو بكر، فأشار إليه رسول الله (ص) أن كما أنت فجلس رسول الله (ص) إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله (ص) وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر. فذهب الناس في هذين الحديثين مذهبين: مذهب النسخ، ومذهب الترجيح. فأما من ذهب مذهب النسخ، فإنهم قالوا: إن ظاهر حديث عائشة، وهو: أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يؤم الناس، وأن أبا بكر كان مسمعا لأنه لا يجوز أن يكون إمامان في صلاة واحدة، وإن الناس كانوا