هو القول في السنن التي في يوم عرفة. وأما الفعل الذي يلي الوقوف بعرفة من أفعال الحج فهو النهوض إلى المزدلفة بعد غيبة الشمس وما يفعل بها فلنقل فيه.
القول في أفعال المزدلفة والقول الجملي أيضا في هذا الموضع ينحصر في معرفة حكمه وفي صفته وفي وقته. فأما كون هذا الفعل من أركان الحج فالأصل فيه قوله سبحانه: * (فاذكروا الله عند المشعر الحرام، واذكروه كما هداكم) * وأجمعوا على أن من بات بالمزدلفة ليلة النحر وجمع فيها بين المغر ب والعشاء مع الامام ووقف بعد صلاة الصبح إلى الاسفار بعد الوقوف بعرفة أن حجه تام، وأن ذلك الصفة التي فعل رسول الله (ص). واختلفوا هل الوقوف بها بعد صلاة الصبح، والمبيت بها من سنن الحج أو من فروضه؟ فقال الأوزاعي، وجماعة من التابعين: هو من فروض الحج، ومن فاته كان عليه حج قابل والهدي. وفقهاء الأمصار يرون أنه ليس من فروض الحج، وأن من فاته الوقوف بالمزدلفة والمبيت به فعليه دم.
وقال الشافعي: إن دفع منها إلى بعد نصف الليل الأول ولم يصل بها فعليه دم وعمدة الجمهور ما صح عنه أنه (ص) قدم ضعفة أهله ليلا فلم يشاهدوا معه صلاة الصبح بها، وعمدة الفريق الأول قوله (ص) في حديث عروة بن المضرس وهو حديث متفق على صحته من أدرك معنا هذه الصلاة - يعني صلاة الصبح بجمع، وكان قد أتى قبل ذلك عرفات - ليلا أو نهارا - فقد تم حجه وقضى تفثه وقوله تعالى: * (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام، واذكروه كما هداكم) *. ومن حجة الفريق الأول أن المسلمين قد أجمعوا على ترك الاخذ بجميع ما في هذا الحديث، وذلك أن أكثرهم على أن من وقف بالمزدلفة ليلا ودفع منها إلى قبل الصبح أن حجه تام، وكذلك من بات فيها ونام عن الصلاة وكذلك أجمعوا على أنه لو وقف بالمزدلفة ولم يذكر الله أن حجه تام. وفي ذلك أيضا ما يضعف احتجاجهم بظاهر الآية، والمزدلفة وجمع هما اسمان لهذا الموضوع وسنة الحج فيها كما قلنا أن يبيت الناس بها ويجمعون بين المغرب والعشاء في أول وقت العشاء ويغلسوا بالصبح فيها.
القول في رمي الجمار وأما الفعل الذي بعدها فهو رمي الجمار، وذلك أن المسلمين اتفقوا على أن النبي (ص) وقف بالمشعر الحرام وهي المزدلفة بعدما صلى الفجر ثم دفع منها قبل طلوع الشمس إلى منى، وأنه في هذا اليوم وهو يوم النحر رمى جمرة العقبة من بعد طلوع