الفصل الرابع: في أحكام الجمعة وفي هذا الباب أربع مسائل الأولى: في حكم طهر الجمعة. الثانية: على من تجب ممن خارج المصر. الثالثة: في وقت الرواح المرغب فيه إلى الجمعة. الرابعة: في جواز البيع يوم الجمعة بعد النداء.
المسألة الأولى: اختلفوا في طهر الجمعة، فذهب الجمهور إلى أنه سنة وذهب أهل الظاهر إلى أنه فرض، ولا خلاف فيما أعلم أنه ليس شرطا في صحة الصلاة.
والسبب في اختلافهم: تعارض الآثار، وذلك أن في هذا لباب حديث أبي سعيد الخدري، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: طهر يوم الجمعة واجب على كل محتلم كطهر الجنابة وفيه حديث عائشة قالت: كان الناس عمال أنفسهم، فيروحون إلى الجمعة بهيئتهم، فقيل لو اغتسلتم؟ والأول صحيح باتفاق، والثاني خرجه أبو داود، ومسلم.
وظاهر حديث أبي سعيد يقتضي وجوب الغسل، وظاهر حديث عائشة أن ذلك كان لموضع النظافة، وأنه ليس عبادة، وقد روي: من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل، فالغسل أفضل وهو نص في سقوط فرضيته إلا أنه حديث ضعيف. المسألة الثانية: وأما وجوب الجمعة على من هو خارج المصر، فإن قوما قالوا: لا تجب على من خارج المصر، وقوم قالوا:
بل تجب، وهؤلاء اختلفوا اختلافا كثيرا فمنهم من قال: من كان بينه، وبين الجمعة مسيرة يوم وجب عليه الاتيان إليها، وهو شاذ، ومنهم من قال: يجب عليه الاتيان إليها على ثلاثة أميال، ومنهم من قال: يجب عليه الاتيان من حيث يسمع النداء، في الأغلب، وذلك من ثلاثة أميال من موضع النداء، وهذان القولان عن مالك. وهذه المسألة ثبتت في شروط الوجوب. وسبب اختلافهم في هذا الباب: اختلاف الآثار، وذلك أنه ورد أن الناس كانوا يأتون الجمعة من العوالي في زمان النبي (ص)، وذلك ثلاثة أميال من المدينة. وروى أبو داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: الجمعة على من سمع النداء وروي:
الجمعة على من آواه الليل إلى أهله وهو أثر ضعيف. المسألة الثالثة: وأما اختلافهم في الساعات التي وردت في فضل الرواح، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: من راح في الساعة الأولى، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة، فكأنما قرب كبشا، ومن راح في الساعة الرابعة، فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة. فإن الشافعي وجماعة من العلماء اعتقدوا أن هذه الساعات هي ساعات النهار فندبوا إلى الرواح من أول النهار، وذهب مالك إلى أنها أجزاء ساعة واحدة قبل الزوال، وبعده. وقال قوم: هي أجزاء ساعة قبل الزوال، وهو الأظهر لوجوب السعي بعد الزوال إلا على مذهب من يرى أن الواجب يدخله الفضيلة. المسألة الرابعة: وأما اختلافهم في البيع والشراء وقت النداء، فإن قوما قالوا: يفسخ البيع إذا وقع النداء، وقوم قالوا: لا يفسخ.