النجس. والاحتمال الثالث: أن يكون الحكم أيضا إنما علق بها من جهة أنها خارجة من هذين السبيلين، فيكون على هذين القولين الأخير ورود الامر بالوضوء من تلك الاحداث المجمع عليها، إنما هو من باب الخاص أريد به العام، ويكون عند مالك وأصحابه إنما هو من باب الخاص المحمول على خصوصه. فالشافعي، وأبو حنيفة اتفقا على أن الامر بها هو من باب الخاص أريد به العام، واختلفا أي عام هو الذي قصد به؟
فمالك يرجح مذهبه بأن الأصل هو أن يحمل الخاص على خصوصه حتى يدل الدليل على غير ذلك، والشافعي محتج بأن المراد به المخرج لا الخارج، باتفاقهم على إيجاب الوضوء من الريح الذي يخرج من أسفل، وعدم إيجاب الوضوء منه إذا خرج من فوق وكلاهما ذات واحدة والفرق بينهما اختلاف المخرجين. فكان هذا تنبيهما على أن الحكم للمخرج وهو ضعيف لان الريحين مختلفان في الصفة والرائحة. وأبو حنيفة يحتج لان المقصود بذلك هو الخارج النجس لكون النجاسة مؤثرة في الطهارة، وهذه الطهارة وإن كانت طهارة حكمية فإن فيها شبها من الطهارة المعنوية، أعني طهارة النجس، وبحديث ثوبان: أن رسول الله (ص) قاء، فتوضأ وبما روي عن عمر وابن عمر رضي الله عنهما من إيجابهما الوضوء من الرعاف، وبما روي من: أمره (ص) المستحاضة بالوضوء لكل صلاة فكان المفهوم من هذا كله عند أبي حنيفة الخارج النجس، وإنما اتفق الشافعي وأبو حنيفة على إيجاب الوضوء من الاحداث المتفق عليها وإن خرجت على جهة المرض لامره (ص) بالوضوء عند كل صلاة المستحاضة والاستحاضة مرض. وأما مالك: فرأى أن المرض له ها هنا تأثير في الرخصة قياسا أيضا على ما روي من أن المستحاضة، لم تؤمر إلا بالغسل فقط، وذلك أن حديث فاطمة بنت أبي حبيش هذا هو متفق على صحته ويختلف في هذه الزيادة فيه، أعني الامر بالوضوء لكل صلاة ولكن صححها أبو عمر بن عبد البر قياسا على من يغلبه الدم من جرح ولا ينقطع، مثل ما روي أن عمر رضي الله عنه صلى وجرحه يثغب دما.
المسألة الثانية: اختلف العلماء في النوم على ثلاثة مذاهب: 1 - فقوم رأوا أنه حدث، فأوجبوا من قليله وكثيره الوضوء. 2 - وقوم رأوا أنه ليس بحدث، فلم يوجبوا منه الوضوء إلا إذا تيقن بالحدث على مذهب من لا يعتبر الشك، وإذا شك على مذهب من يعتبر الشك، حتى إن بعض السلف كان يوكل بنفسه إذا نام من يتفقد حاله، أعني هل يكون منه حدث أم لا؟ 3 - وقوم فرقوا بين النوم القليل الخفيف، والكثير المستثقل فأوجبوا في الكثير المستثقل الوضوء دون القليل، وعلى هذا فقهاء الأمصار، والجمهور. ولما كانت بعض الهيئات يعرض فيها الاستثقال من النوم أكثر من بعض وكذلك خروج الحدث، اختلف الفقهاء في ذلك فقال مالك: من نام مضطجعا أو ساجدا، فعليه الوضوء، طويلا كان النوم، أو قصيرا، ومن نام جالسا