أن رسول الله (ص) دخل الكعبة هو وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة، وبلال بن رباح، فأغلقها عليه، ومكث فيها، فسألت بلالا حين خرج ماذا صنع رسول الله (ص)؟ فقال: جعل عمودا عن يساره وعمودا عن يمينه وثلاثة أعمدة وراءه ثم صلى. فمن ذهب مذهب الترجيح، أو النسخ قال: إما بمنع الصلاة مطلقا إن رجح حديث ابن عباس، وإما بإجازتها مطلقا، إن رجح حديث ابن عمر، ومن ذهب مذهب الجمع بينهما، حمل حديث ابن عباس على الفرض، وحديث ابن عمر على النفل، والجمع بينهما فيه عسر، فإن الركعتين اللتين صلاهما عليه الصلاة والسلام خارج الكعبة، وقال: هذه قبلة هي نفل. ومن ذهب مذهب سقوط الأثر عند التعارض، فإن كان ممن يقول باستصحاب حكم الاجماع، والاتفاق، لم يجز الصلاة داخل البيت أصلا، وإن كان ممن لا يرى استصحاب حكم الاجماع، عاد النظر في انطلاق اسم المستقبل للبيت على من صلى داخل الكعبة، فمن جوزه، أجاز الصلاة، ومن لم يجوزه، وهو الأظهر، لم يجز الصلاة في البيت. واتفق العلماء بأجمعهم على استحباب السترة بين المصلي، والقبلة، إذا صلى منفردا كان أو إماما، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل، فليصل واختلفوا في الخط، إذا لم يجد سترة، فقال الجمهور: ليس عليه أن يخط. وقال أحمد بن حنبل: يخط خطا بين يديه.
وسبب اختلافهم: اختلافهم في تصحيح الأثر الوارد في الخط، والأثر رواه أبو هريرة: أنه عليه الصلاة والسلام قال: إذا صلى أحدكم، فليجعل تلقاء وجهه شيئا، فإن لم يكن، فلينصب عصا، فإن لم تكن معه عصا فليخط خطا، ولا يضره من مر بين يديه خرجه أبو داود. وكان أحمد بن حنبل يصححه، والشافعي لا يصححه، وقد روي: أنه (ص) صلى لغير سترة والحديث الثابت أنه كان يخرج له العنزة. فهذه جملة قواعد هذا الباب، وهي أربع مسائل . الباب الرابع من الجملة الثانية وهذا الباب ينقسم إلى فصلين: أحدهما: في ستر العورة. والثاني: فيما يجزئ من اللباس في الصلاة.
الفصل الأول اتفق العلماء على أن ستر العورة فرض بإطلاق، واختلفوا هل هو شرط من شروط صحة الصلاة أم لا؟ وكذلك اختلفوا في حد العورة من الرجل والمرأة، وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلاة وذهب أبو حنيفة، والشافعي إلى أنها من فروض الصلاة.
في ذلك: تعارض الآثار، واختلافهم في مفهوم قوله تعالى: * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) * هل الامر بذلك على الوجوب، أو على الندب؟ فمن حمله على