لمكان عدم مناسبته وجوب الطهارة لإرادة النوم، أعني المناسبة الشرعية، وقد احتجوا أيضا لذلك بأحاديث أثبتها حديث ابن عباس: أن رسول الله (ص) خرج من الخلاء، فأتي بطعام، فقالوا: ألا نأتيك بطهر؟ فقال: أأصلي فأتوضأ؟ وفي بعض رواياته: فقيل له:
ألا تتوضأ؟ فقال: ما أردت الصلاة، فأتوضأ. والاستدلال به ضعيف، فإنه من باب مفهوم الخطاب من أضعف أنواعه، وقد احتجوا بحديث عائشة: أنه عليه الصلاة والسلام كان ينام وهو جنب لا يمس الماء إلا أنه حديث ضعيف. وكذلك اختلفوا في وجوب الوضوء على الجنب الذي يريد أن يأكل أو يشرب، وعلى الذي يريد أن يعاود أهله، فقال الجمهور في هذا كله بإسقاط الوجوب لعدم مناسبة الطهارة لهذه الأشياء، وذلك أن الطهارة إنما فرضت في الشرع لأحوال التعظيم كالصلاة. وأيضا لمكان تعارض الآثار في ذلك، وذلك أنه روي عنه عليه الصلاة والسلام: أنه أمر الجنب إذا أراد أن يعاود أهله أن يتوضأ وروي عنه: أنه كان يجامع، ثم يعاود، ولا يتوضأ وكذلك روي عنه منع الأكل، والشرب للجنب حتى يتوضأ. وروي عنه إباحة ذلك.
المسألة الثالثة: ذهب مالك والشافعي إلى اشتراط الوضوء في الطواف وذهب أبو حنيفة إلى إسقاطه. وسبب اختلافهم: تردد الطواف بين أن يلحق حكمه بحكم الصلاة، أو لا يلحق، وذلك أنه ثبت: أن رسول الله (ص) منع الحائض الطواف، كما منعها الصلاة فأشبه الصلاة من هذه الجهة. وقد جاء في بعض الآثار تسمية الطواف صلاة وحجة أبي حنيفة أنه ليس كل شئ منعه الحيض، فالطهارة شرط في فعله إذا ارتفع الحيض كالصوم عند الجمهور.
المسألة الرابعة: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز لغير المتوضئ أن يقرأ القرآن ويذكر الله وقال قوم: لا يجوز ذلك له إلا أن يتوضأ. وسبب الخلاف: حديثان متعارضان ثابتان.
أحدهما: حديث أبي جهم قال: أقبل رسول الله (ص) من نحو بئر جمل، فلقيه رجل، فسلم عليه فلم يرد عليه حتى أقبل على الجدار، فمسح بوجهه ويديه، ثم إنه رد عليه الصلاة والسلام السلام. والحديث الثاني: حديث علي: أن رسول الله (ص) كان لا يحجبه عن قراءة القرآن شئ إلا الجنابة فصار الجمهور إلى أن الحديث الثاني ناسخ للأول، وصار من أوجب الوضوء لذكر الله إلى ترجيح الحديث الأول.