وقد تقدم ذلك في كتاب الطهارة. وأما الدم فاتفقوا على تحريم المسفوح منه من الحيوان المذكى، واختلفوا في غير المسفوح منه. وكذلك اختلفوا في دم الحوت، فمنهم من رآه نجسا، ومنهم من لم يره نجسا، والاختلاف في هذا كله موجود في مذهب مالك وخارجا عنه. وسبب اختلافهم: في غير المسفوح معارضة الاطلاق للتقييد، وذلك أن قوله تعالى:
* (حرمت عليكم الميتة والدم) * يقتضي تحريم مسفوح الدم وغيره، وقوله تعالى: * (أو دما مسفوحا) * يقتضي بحسب دليل الخطاب تحريم المسفوح فقط، فمن رد المطلق إلى المقيد اشترط في التحريم السفح، ومن رأى أن الاطلاق يقتضي حكما زائدا على التقييد، وأن معارضة المقيد للمطلق إنما هو من باب دليل الخطاب، والمطلق عام، والعام أقوى من دليل الخطاب قضى بالمطلق على المقيد، وقال: يحرم قليل الدم وكثيره والسفح المشترط في حرمية الدم إنما هو دم الحيوان المذكى، أعني أنه الذي يسيل عند التذكية من الحيوان الحلال الأكل. وأما أكل دم يسيل من الحيوان الحي فقليله وكثيره حرام، وكذلك الدم من الحيوان المحرم الأكل، وإن ذكي فقليله وكثيره حرام، ولا خلاف في هذا. وأما سبب اختلافهم: في دم الحوت فمعارضة العموم للقياس. أما العموم فقوله تعالى: * (والدم) * وأما القياس فما يمكن أن يتوهم من كون الدم تابعا في التحريم لميتة الحيوان، أعني أن ما حرم ميتته حرم دمه، وما حل ميتته حل دمه، ولذلك رأى مالك أن ما لا دم له فليس بميتة. قال القاضي: وقد تكلمنا في هذه المسألة في كتاب الطهارة، ويذكر الفقهاء في هذا حديثا مخصصا لعموم الدم قوله عليه الصلاة والسلام: أحلت لنا ميتتان ودمان وهذا الحديث في غالب ظني ليس هو في الكتب المشهورة من كتب الحديث. وأما المحرمات لعينها المختلف فيها فأربعة: أحدها: لحوم السباع من الطير ومن ذوات الأربع. والثاني: ذوات الحافر الانسية. والثالث: لحو الحيوان المأمور بقتله في الحرم والرابع: لحوم الحيوانات التي تعافها النفوس وتستخبثها بالطبع. وحكى أبو حامد عن الشافعي أنه يحرم لحم الحيوان المنهي عن أكله قال: كالخطاف والنحل فيكون هذا جنسا خامسا من المختلف فيه.
فأما المسألة الأولى: وهي السباع ذوات الأربع، فروى ابن القاسم عن مالك أنها مكروهة، وعلى هذا القول عول جمهور أصحابه وهو المنصور عندهم، وذكر مالك في الموطأ ما دليله أنها عنده محرمة، وذلك أنه قال - بعقب حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: أكل كل ذي ناب من السباع حرام - وعلى ذلك الامر عندنا،