واحتج هؤلاء أيضا لمذهبهم بالقياس الشبهي، فقالوا: صلاة سنة تفعل في جماعة نهارا، فوجب أن يجهر فيها أصله العيدان، والاستسقاء، وخير في ذلك كله الطبري، وهي طريقة الجمع، وقد قلنا إنها أولى من طريقة الترجيح إذا أمكنت، ولا خلاف في هذا أعلمه بين الأصوليين.
المسألة الثالثة: واختلفوا في الوقت الذي تصلى فيه. فقال الشافعي تصلى في جميع الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، وغير المنهي. وقال أبو حنيفة: لا تصلى في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها. وأما مالك فروى عنه ابن وهب أنه قال: لا يصلى لكسوف الشمس إلا في الوقت الذي تجوز فيه النافلة، وروى ابن القاسم أن سنتها أن تصلى ضحى إلى الزوال. وسبب اختلافهم في هذه المسألة: اختلافهم في جنس الصلاة التي لا تصلى في الأوقات المنهي عنها. فمن رأى أن تلك الأوقات تختص بجميع أجناس الصلاة لم يجز فيها صلاة كسوف، ولا غيرها، ومن رأى أن تلك الأحاديث تختص بالنوافل، وكانت الصلاة عنده في الكسوف سنة، أجاز ذلك، ومن رأى أيضا أنها من النفل لم يجزها في أوقات النهي. وأما رواية ابن القاسم عن مالك، فليس لها وجه إلا تشبيهها بصلاة العيد.
المسألة الرابعة: واختلفوا أيضا هل من شروطها الخطبة بعد الصلاة؟ فذهب الشافعي إلى أن ذلك من شرطها وذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه لا خطبة في صلاة الكسوف.
والسبب في اختلافهم: اختلاف العلة التي من أجلها خطب رسول الله (ص) الناس لما انصرف من صلاة الكسوف على ما في حديث عائشة، وذلك أنها روت: أنه لما انصرف من الصلاة، وقد تجلت الشمس، حمد الله وأثنى عليه. ثم قال: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته الحديث. فزعم الشافعي أنه إنما خطب، لان من سنة هذه الصلاة الخطبة، كالحال في صلاة العيدين، والاستسقاء. وزعم بعض من قال بقول أولئك أن خطبة النبي عليه الصلاة والسلام إنما كانت يومئذ، لان الناس زعموا أن الشمس إنما كسفت لموت إبراهيم ابنه عليه السلام.
المسألة الخامسة: واختلفوا في كسوف القمر، فذهب الشافعي إلى أنه يصلى له في جماعة، وعلى نحو ما يصلى في كسوف الشمس، وبه قال أحمد وداود وجماعة وذهب مالك، وأبو حنيفة إلى أنه لا يصلى له في جماعة واستحبوا أن يصلي الناس له أفذاذا ركعتين كسائر الصلوات النافلة. وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام:
إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فادعوا الله، وصلوا حتى يكشف ما بكم، وتصدقوا خرجه البخاري ومسلم. فمن فهم هاهنا من الامر بالصلاة فيهما معنى واحدا، وهي الصفة التي فعلها في كسوف الشمس، رأى الصلاة فيها في جماعة. ومن فهم من ذلك معنى مختلفا، لأنه لم يرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه