بسم الله الرحمن الرحيم على محمد واله وسلم تسليما كتاب الحج والنظر في هذا الكتاب في ثلاثة أجناس: الجنس الأول: يشتمل على الأشياء التي تجري من هذه العبادة مجرى المقدمات التي تجب معرفتها لعمل هذه العبادة. الجنس الثاني: في الأشياء التي تجري مجرى الأركان، وهي الأمور المعمولة أنفسها، والأشياء المتروكة. الجنس الثالث: في الأشياء التي تجري منها مجرى الأمور اللاحقة، وهي أحكام الأفعال، وذلك أن كل عبادة فإنها توجد مشتملة على هذه الثلاثة الأجناس.
الجنس الأول وهذا الجنس يشتمل على شيئين: على معرفة الوجوب، وشروطه، وعلى من يجب، ومتى يجب؟ فأما وجوبه فلا خلاف فيه لقوله سبحانه: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) *. وأما شروط الوجوب: فإن الشروط قسمان: شروط صحة، وشروط وجو ب. فأما شروط الصحة: فلا خلاف بينهم أن من شروطه الاسلام، إذ لا يصح حج من ليس بمسلم، واختلفوا في صحة وقوعه من الصبي، فذهب مالك والشافعي إلى جواز ذلك، ومنه منع أبو حنيفة. وسبب الخلاف: معارضة الأثر في ذلك للأصول، وذلك أن من أجاز ذلك، أخذ فيه بحديث ابن عباس المشهور، وخرجه البخاري، ومسلم، وفيه أن امرأة رفعت إليه عليه الصلاة والسلام صبيا، فقالت: ألهذا حج يا رسول الله؟ قال: نعم، ولك أجر. ومن منع ذلك تمسك بأن الأصل هو أن العبادة لا تصح من غير عاقل، وكذلك اختلف أصحاب مالك في صحة وقوعها من الطفل الرضيع، وينبغي أن لا يختلف في صحة وقوعه ممن يصح وقوع الصلاة منه. وهو كما قال عليه الصلاة والسلام من السبع إلى العشر. وأما شروط الوجوب: فيشترط فيها الاسلام على القول بأن الكفار مخاطبون بشرائع الاسلام، ولا خلاف في اشتراط الاستطاعة في ذلك لقوله تعالى: * (من استطاع إليه سبيلا) * وإن كان في تفصيل ذلك اختلاف، وهي بالجملة تتصور على