والاستنشاق ومن جعله معارضا، جمع بينهما بأن حمل حديثي عائشة، وميمونة على الندب، وحديث أم سلمة على الوجوب. ولهذا السبب بعينه اختلفوا في تخليل الرأس هل هو واجب في هذه الطهارة أم لا؟ ومذهب مالك أنه مستحب، ومذهب غيره أنه واجب وقد عضد مذهبه من أوجب التخليل بما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: تحت كل شعرة جنابة، فأنقوا البشرة، وبلوا الشعر.
المسألة الرابعة: اختلفوا هل من شرط هذه الطهارة الفور، والترتيب؟ أم ليسا من شروطها كاختلافهم من ذلك في الوضوء. وسبب اختلافهم في ذلك: هل فعله عليه الصلاة والسلام محمول على الوجوب أو على الندب؟ فإنه لم ينقل عنه عليه الصلاة والسلام أنه ما توضأ قط إلا مرتبا متواليا، وقد ذهب قوم إلى أن الترتيب في هذه الطهارة أبين منها في الوضوء، وذلك بين الرأس وسائر الجسد، لقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أم سلمة: إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضي الماء على جسدك وحرف ثم يقتضي الترتيب بلا خلاف بين أهل اللغة.
الباب الثاني: في معرفة نواقض هذه الطهارة والأصل في هذا الباب قوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * وقوله:
* (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) * الآية. واتفق العلماء على وجوب الطهارة من حدثين: أحدهما: خروج المني على وجه الصحة في النوم، أو في اليقظة من ذكر كان أو أنثى، إلا ما روي عن النخعي من أنه كان لا يرى على المرأة غسلا من الاحتلام، وإنما اتفق الجمهور على مساواة المرأة في الاحتلام للرجل لحديث أم سلمة الثابت أنها قالت: يا رسول الله المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل هل عليها غسل؟ قال:
نعم إذا رأت الماء وأما الحديث الثاني الذي اتفقوا أيضا عليه، فهو دم الحيض، أعني إذا انقطع. وذلك أيضا لقوله تعالى: * (ويسألونك عن المحيض قل هو أذى) * الآية، ولتعليمه الغسل من الحيض لعائشة وغيرها من النساء، واختلفوا في هذا الباب مما يجري مجرى الأصول في مسألتين مشهورتين.
المسألة الأولى: اختلف الصحابة رضي الله عنهم في سبب إيجاب الطهر من الوطئ، فمنهم من رأى الطهر واجبا في التقاء الختانين أنزل أو لم ينزل، وعليه أكثر فقهاء الأمصار: مالك وأصحابه و الشافعي وأصحابه وجماعة من أهل الظاهر وذهب قوم من أهل الظاهر إلى إيجاب الطهر مع الانزال فقط. والسبب في اختلافهم في ذلك: تعارض الأحاديث في ذلك، لأنه ورد في ذلك حديثان ثابتان اتفق أهل الصحيح على تخريجهما.