أن الشمس لم تطلع وخرج أبو داود عن قيس بن طلق عن أبيه أنه عليه الصلاة والسلام قال: كلوا واشربوا، ولا يهيدنكم الساطع المصعد، فكلوا واشربوا حتى يعترض لكم الأحمر. قال أبو داود: هذا ما تفرد به أهل اليمامة وهذا شذوذ فإن قوله تعالى: * (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض) * نص في ذلك، أو كالنص، والذين رأوا أنه الفجر الأبيض المستطير، وهم الجمهور والمعتمد اختلفوا في الحد المحرم للأكل فقال قوم: هو طلوع الفجر نفسه وقال قوم: هو تبينه عند الناظر إليه ومن لم يتبينه، فالاكل مباح له حتى يتبينه، وإن كان قد طلع، وفائدة الفرق أنه إذا انكشف أن ما ظن من أنه لم يطلع، كان قد طلع فمن كان الحد عنده، هو الطلوع نفسه، أوجب عليه القضاء، ومن قال: هو العلم الحاصل به لم يوجب عليه القضاء. وسبب الاختلاف في ذلك: الاحتمال الذي في قوله تعالى: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) * هل على الامساك بالتبين نفسه، أو بالشئ المتبين؟ لان العرب تتجوز، فتستعمل لاحق الشئ بدل الشئ على وجه الاستعارة، فكأنه قال تعالى: * (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) * لأنه إذا تبين في نفسه، تبين لنا. فإذا إضافة التبين لنا هي التي أوقعت الخلاف لأنه قد يتبين في نفسه، ويتميز، ولا يتبين لنا، وظاهر اللفظ يوجب تعلق الامساك بالعلم، والقياس يوجب تعلقه بالطلوع نفسه أعني قياسا على الغروب، وعلى سائر حدود الأوقات الشرعية كالزوال، وغيره، فإن الاعتبار في جميعها في الشرع، هو بالأمر نفسه لا بالعلم المتعلق به. والمشهور عمالك، وعليه الجمهور أن الأكل يجوز أن يتصل بالطلوع وقيل: بل يجب الامساك قبل الطلوع والحجة للقول الأول ما في كتاب البخاري أظنه في بعض رواياته قال النبي (ص) وكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم، فإنه لا ينادي حتى يطلع الفجر وهو نص في موضع الخلاف، أو كالنص، والموافق لظاهر قوله تعالى: * (وكلوا واشربوا) * الآية. ومن ذهب إلى أنه يجب الامساك قبل الفجر، فجريا على الاحتياط، وسدا للذريعة، وهو أورع القولين والأول أقيس، والله أعلم.
الركن الثاني: وهو الامساك وأجمعوا على أنه يجب على الصائم الامساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب، والجماع لقوله تعالى: * (فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر) *. واختلفوا من ذلك في مسائل:
منها مسكوت عنها، ومنها منطوق بها. أما المسكوت عنها: إحداها: فيما يرد الجوف مما