وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم النهي الوارد في قوله عليه الصلاة والسلام في حديث رافع بن خديج، وفيه قال يا رسول الله (ص) إنا لاقوا العدو غدا وليس معنا مدى فنذبح بالقصب؟ فقال عليه الصلاة والسلام: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر وسأحدثكم عنه، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة. فمن الناس من فهم منه أن ذلك لمكان أن هذه الأشياء ليس في طبعها أن تنهر الدم غالبا، ومنهم من فهم من ذلك أنه شرع غير معلل، والذين فهموا منه أنه شرع غير معلل: منهم من اعتقد أن النهي في ذلك يدل على فساد المنهي عنه ومنهم من اعتقد أنه لا يدل على فساد المنهي عنه، ومنهم من اعتقد أن النهي في ذلك على وجه الكراهة لا على وجه الحظر. فمن فهم أن المعنى في ذلك أنه لا ينهر الدم غالبا قال: إذا وجد منهما ما ينهر الدم جاز، ولذلك رأى بعضهم أن يكونا منفصلين إذ كان إنهار الدم منهما إذا كانا بهذه الصفة أمكن، وهو مذهب أبي حنيفة. ومن رأى أن النهي عنهما هو مشروع غير معلل وأنه يدل على فساد المنهي عنه قال: إن ذبح بهما لم تقع التذكية، وإن أنهر الدم. ومن رأى أنه لا يدل على فساد المنهي عنه قال: إن فعل وأنهر الدم أثم وحلت الذبيحة. ومن رأى أن النهي على وجه الكراهية كره ذلك. ولم يحرمه. ولا معنى لقول من فرق بين العظم والسن، فإنه عليه الصلاة والسلام قد علل المنع في السن بأنه عظم، ولا يختلف المذهب أنه يكره غير الحديد من المحدودات مع وجود الحديد لقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله كتب الاحسان على كل شئ فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة. وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته خرجه مسلم.
الباب الرابع: في شروط الذكاة وفي هذا الباب ثلاث مسائل: المسألة الأولى: في اشتراط التسمية. الثانية: في اشتراط استقبال القبلة. الثالثة: في اشتراط النية.
المسألة الأولى: واختلفوا في حكم التسمية على الذبيحة على ثلاثة أقوال: فقيل هي فرض على الاطلاق: وقيل بل هي فرض مع الذكر ساقطة مع النسيان، وقيل بل هي سنة مؤكدة. وبالقول الأول: قال أهل الظاهر وابن عمر والشعبي وابن سيرين، وبالقول الثاني: قال مالك وأبو حنيفة والثوري، بالقول الثالث: قال الشافعي وأصحابه، وهو مروي عن ابن عباس وأبي هريرة. وسبب اختلافهم: معارضة ظاهر الكتاب في ذلك للأثر. فأما الكتاب فقوله تعالى: * (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) *. وأما السنة