أتت بيانا لواجب محمولة على الوجوب، كما قال (ص): صلوا كما رأيتموني أصلي وخذوا عني مناسككم. وقالت الفرقة الأولى: ما في هذه الآثار يدل على أن العمل عند الصحابة، إنما كان على إتمام التكبير، ولذلك كان أبو هريرة يقول: إني لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله (ص). وقال عمران: أذكرني هذا بصلاته صلاة محمد (ص). وأما من جعل التكبير كله نفلا، فضعيف، ولعله قاسه على سائر الأذكار التي في حرام على سائر التكبيرات. قال أبو عمر بن عبد البر: ومما يؤيد مذهب الجمهور ما رواه شعبة بن الحجاج عن الحسن بن عمران عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى عن أبيه قال: صليت مع النبي (ص) فلم يتم التكبير وصليت مع عمر بن عبد العزيز، فلم يتم التكبير. وما رواه أحمد بن حنبل عن عمر رضي الله عنه: أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده وكأن هؤلاء رأوا أن التكبير إنما هو لمكان إشعار الامام للمأمومين بقيامه، وقعوده ويشبه أن يكون إلى هذا ذهب من رآه كله نفلا.
المسألة الثانية: قال مالك: لا يجزئ من لفظ التكبير إلا الله أكبر وقال الشافعي:
الله أكبر، والله الأكبر، اللفظان كلاهما يجزئ وقال أبو حنيفة: يجزئ من لفظ التكبير كل لفظ في معناه مثل الله الأعظم والله الاجل. وسبب اختلافهم: هل اللفظ هو المتعبد به في الافتتاح، أو المعنى؟ وقد استدل المالكيون، والشافعيون بقوله عليه الصلاة والسلام: مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم قالوا: والألف واللام هاهنا للحصر، والحصر يدل على أن الحكم خاص بالمنطوق به وأنه لا يجوز بغيره، وليس يوافقهم أبو حنيفة على هذا الأصل، فإن هذا المفهوم هو عنده من باب دليل الخطاب، وهو أن يحكم للمسكوت عنه بضد حكم المنطوق به، ودليل الخطاب، عند أبي حنيفة غير معمول به.
المسألة الثالثة: ذهب قوم إلى أن التوجيه في الصلاة واجب، وهو أن يقول بعد التكبير: إما (وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) وهو مذهب الشافعي وإما أن يسبح، وهو مذهب أبي حنيفة وإما أن يجمع بينهما وهو مذهب أبي يوسف صاحبه. وقال مالك: ليس التوجيه بواجب في الصلاة، ولا بسنة. وسبب الاختلاف: معارضة الآثار الواردة بالتوجيه للعمل عند مالك، أو الاختلاف في صحة الآثار الواردة بذلك. قال القاضي: قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة: أن رسول الله (ص) كان يسكت بين التكبير، والقراءة إسكاتة، قال: فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي اسكاتك بين بين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج، والبرد. وقد ذهب قوم إلى استحسان سكتات كثيرة في الصلاة، منها حين يكبر، ومنها حين يفرغ من قراءة أم القرآن، وإذا فرغ من القراءة قبل الركوع، وممن قال بهذا القول الشافعي، وأبو ثور، والأوزاعي.