ممن يرى القياس. وأما من لا يرى القياس فأمره بين، أنه ليس يعدي حكم الجماع إلى الأكل والشرب. وأما ما روى مالك في الموطأ أن رجلا أفطر في رمضان، فأمره النبي (ص) بالكفارة المذكورة فليس بحجة، لان قول الراوي، فأفطر هو مجمل، والمجمل ليس له عموم، فيؤخذ به، لكن هذا قول على أن الراوي كان يرى أن الكفارة كانت لموضع الافطار، ولولا ذلك، لما عبر بهذا اللفظ، ولذكر النوع من الفطر الذي أفطر به.
وأما المسألة الثانية: وهو إذا جامع ناسيا لصومه، فإن الشافعي، وأبا حنيفة يقولان: لا قضاء عليه، ولا كفارة. وقال مالك: عليه القضاء دون الكفاءة. وقال أحمد، وأهل الظاهر: عليه القضاء، والكفارة. وسبب اختلافهم في قضاء الناسي: معارضة ظاهر الأثر في ذلك القياس.
وأما القياس، فهو تشبيه ناسي الصوم بناسي الصلاة فمن شبهه بناسي الصلاة، أوجب عليه القضاء كوجوبه بالنص على ناسي الصلاة. وأما الأثر المعارض بظاهره لهذا القياس، فهو ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص) من نسي - وهو صائم - فأكل، أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه وهذا الأثر يشهد به عموم قوله عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتي الخطأ والنسيان، وما استكرهوا عليه. ومن هذا الباب اختلافهم فيمن ظن أن الشمس قد غربت، فأفطر، ثم ظهرت الشمس بعد ذلك هل عليه قضاء أم لا؟
وذلك أن هذا مخطئ والمخطئ، والناسي حكمهما واحد، فكيفما قلنا، فتأثير النسيان في اسقاط القضاء بين. والله أعلم. وذلك أنا إن قلنا: إن الأصل هو أن لا يلزم الناس قضاء حتى يدل الدليل على ذلك، وجب أن يكون النسيان لا يوجب القضاء في الصوم، إذ لا دليل ههنا على ذلك بخلاف الامر في الصلاة، وإن قلنا إن الأصل، هو إيجاب القضاء حتى يدل الدليل على رفعه عن الناسي، فقد دل الدليل في حديث أبي هريرة على رفعه عن الناسي، اللهم إلا أن يقول قائل: إن الدليل الذي استثنى ناسي الصوم من الناسي سائر العبادات والكفارة على المجامع ناسيا، فضعيف، فإن تأثير النسيان في اسقاط العقوبات بين في الشرع، والكفارة من أنواع العقوبات، وإنما أصارهم إلى ذلك أخذهم بمجمل الصفة المنقولة في الحديث أعني من أنه لم يذكر فيه أنه فعل ذلك عمدا، ولا نسيانا، لكن من أوجب الكفارة على قاتل الصيد نسيانا، لم يحفظ أصله في هذا، مع أن النص إنما جاء في المتعمد، وقد كان يجب على أهل الظاهر أن يأخذوا بالمتفق عليه، وهو إيجاب الكفارة على العامد إلى أن يدل الدليل على إيجابها على الناسي، أو يأخذوا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان حتى يدل الدليل على التخصيص، ولكن كلا الفريقين، لم يلزم أصله، وليس في مجمل ما نقل من حديث الاعرابي حجة، ومن قال من أهل الأصول إن ترك التفصيل في اختلاف الأحوال من الشارع بمنزلة العموم في الأقوال، فضعيف، فإن الشارع لم يحكم قط إلا على مفصل، وإنما الاجمال في حقنا.