رسول الله (ص) قال: إن الله قد زادكم صلاة، وهي الوتر فحافظوا عليها وحديث حارثة بن حذافة قال: خرج علينا رسول الله (ص)، فقال: إن الله أمركم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم، وهي الوتر، وجعلها لكم فيما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وحديث بريدة الأسلمي أن رسول الله (ص) قال: الوتر حق، فمن لم يؤثر فليس منا فمن رأى أن الزيادة هي نسخ ولم تقو عنده هذه الأحاديث قوة تبلغ بها أن تكون ناسخة لتلك الأحاديث الثابتة المشهورة رجح تلك الأحاديث، وأيضا فإنه ثبت من قوله تعالى في حديث الاسراء إنه لا يبدل القول لدي وظاهره أنه لا يزاد فيها ولا ينقص منها وإن كان هو في النقصان أظهر، والخبر ليس يدخله النسخ. ومن بلغت عنده قوة هذه الأخبار التي اقتضت الزيادة على الخمس إلى رتبة توجب العمل، أوجب المصير إلى هذه الزيادة، لا سيما إن كان ممن يرى أن الزيادة لا توجب نسخا، لكن ليس هذا من رأي أبي حنيفة.
المسألة الثالثة: وأما على من تجب، فعلى المسلم البالغ، ولا خلاف في ذلك.
المسألة الرابعة: وأما ما الواجب على من تركها عمدا، وأمر بها فأبى أن يصليها، لا جحودا لفرضها، فإن قوما قالوا: يقتل، وقوما قالوا: يعزر، ويحبس، والذين قالوا: يقتل منهم من أوجب قتله كفرا وهو مذهب أحمد وإسحاق وابن المبارك، ومنهم من أوجبه حدا وهو مالك والشافعي، وأبو حنيفة وأصحابه وأهل الظاهر ممن رأى حبسه وتعزيره حتى يصلي.
والسبب في هذا الاختلاف: اختلاف الآثار. وذلك أنه ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس. وروي عنه عليه الصلاة والسلام من حديث بريدة أنه قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها، فقد كفر وحديث جابر عن النبي (ص) أنه قال: ليس بين العبد، وبين الكفر أو قال الشرك إلا ترك الصلاة. فمن فهم من الكفر هاهنا الكفر الحقيقي جعل هذا الحديث كأنه تفسير لقوله عليه الصلاة والسلام كفر بعد إيمان ومن فهم هاهنا التغليظ والتوبيخ أي أن أفعاله أفعال كافر، وأنه في صورة كافر، كما قال: لا يزني الزاني حين يزني، وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن لم ير قتله كفرا.
وأما من قال: يقتل حدا، فضعيف ولا مستند له، إلا قياس شبه ضعيف إن أمكن، وهو تشبيه الصلاة بالقتل في كون الصلاة رأس المأمورات، والقتل رأس المنهيات. وعلى الجملة، فاسم الكفر إنما يطلق بالحقيقة على التكذيب، وتارك الصلاة معلوم أنه ليس بمكذب إلا أن يتركها معتقدا لتركها هكذا، فنحن إذن بين أحد أمرين: إما إن أردنا أن نفهم من الحديث الكفر الحقيقي، فيجب علينا أن نتأول أنه أراد عليه الصلاة والسلام من ترك الصلاة معتقدا لتركها، فقد كفر. وإما أن يحمل على أن اسم الكفر على غير موضوعه الأول، وذلك على أحد معنيين: إما على أن حكمه حكم الكافر: أعني في القتل، وسائر أحكام الكفار، وإن