قال القاضي رضي الله عنه: ومتى قلت ثابت، فإنما أعني به ما أخرجه البخاري أو مسلم، أو ما اجتمعا عليه. أحدهما: حديث أبي هريرة عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: إذا قعد بين شعبها الأربع، وألزق الختان بالختان، فقد وجب الغسل. والحديث الثاني: حديث عثمان أنه سئل فقيل له: أرأيت الرجل إذا جامع أهله ولم يمن؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة سمعته من رسول الله (ص). فذهب العلماء في هذين الحديثين مذهبين: أحدهما: مذهب النسخ. والثاني: مذهب الرجوع إلى ما عليه الاتفاق عند التعارض الذي لا يمكن الجمع فيه، ولا الترجيح، فالجمهور رأوا أن حديث أبي هريرة ناسخ لحديث عثمان، ومن الحجة لهم على ذلك ما روى عن أبي بن كعب أنه قال: إن رسول الله (ص) إنما جعل ذلك رخصة في أول الاسلام، ثم أمر بالغسل خرجه أبو داود. وأما من رأى أن التعارض بين هذين الحديثين هو مما لا يمكن الجمع فيه بينهما، ولا الترجيح، فوجب الرجوع عنده إلى ما عليه الاتفاق، وهو وجوب الماء من الماء. وقد رجح الجمهور حديث أبي هريرة من جهة القياس، قالوا: وذلك أنه لما وقع الاجماع على أن مجاورة الختانين توجب الحد، وجب أن يكون هو الموجب للغسل، وحكوا أن هذا القياس مأخوذ عن الخلفاء الأربعة ورجح الجمهور ذلك أيضا من حديث عائشة لاخبارها ذلك عن رسول الله (ص)، خرجه مسلم.
المسألة الثانية: اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبا للطهر فذهب مالك إلى اعتبار اللذة في ذلك وذهب الشافعي إلى أن نفس خروجه هو الموجب للطهر سواء أخرج بلذة، أو بغير لذة. وسبب اختلافهم في ذلك: هو شيئان:
أحدهما: هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنب على الجهة الغير المعتادة أم ليس ينطلق عليه؟ فمن رأى أنه إنما ينطلق على الذي أجنب على طريق العادة لم يوجب الطهر في خروجه من غير لذة، ومن رأى أنه ينطلق على خروج المني كيفما خرج أوجب منه الطهر، وإن لم يخرج من لذة. والسبب الثاني: تشبيه خروجه بغير لذة بدم الاستحاضة، واختلافهم في خروج الدم على جهة الاستحاضة هل يوجب طهرا، أم ليس يوجبه؟ فسنذكره في باب الحيض وإن كان من هذا الباب، وفي المذهب في هذا الباب فرع، وهو إذا انتقل من أصل مجاريه بلذة، ثم خرج في وقت آخر بغير لذة، مثل أن يخرج من المجامع بعد أن يتطهر، هذا النوع من الخروج صحبته اللذة في بعض نقلته، ولم تصحبه في بعض، فمن غلب حال اللذة قال: يجب الطهر، ومن غلب حال عدم اللذة قال: لا يجب عليه الطهر.
الباب الثالث: في أحكام هذين الحدثين أعني الجنابة والحيض أما أحكام الحدث الذي هو الجنابة ففيه ثلاث مسائل: