لم يشترط عليهم في العشر الواجب عنده نصابا ولا حولا وأما أبو حنيفة فاشترط في وجوب نصف العشر عليهم الحول والنصاب وهو نصاب المسلمين نفسه المذكور في كتاب الزكاة، وقال الشافعي: ليس يجب عليهم عشر أصلا ولا نصف عشر في نفس التجارة ولا في ذلك شئ محدود إلا ما اصطلح عليه أو اشترط، فعلى هذا تكون الجزية العشرية من نوع الجزية الصلحية، وعلى مذهب مالك وأبي حنيفة تكون جنسا ثالثا من الجزية غير الصلحية والتي على الرقاب. وسبب اختلافهم: أنه لم يأت في ذلك عن رسول الله (ص) سنة يرجع إليها، وإنما ثبت أن عمر بن الخطاب فعل ذلك بهم، فمن رأى أن فعل عمر هذا إنما فعله بأمر كان عنده في ذلك من رسول الله (ص) أوجب أن يكون ذلك سنتهم، ومن رأى أن فعله هذا كان على وجه الشرط، إذ لو كان على غير ذلك لذكره قال: ليس ذلك بسنة لازمة لهم إلا بالشرط. وحكى أبو عبيد في كتاب الأموال عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لا أذكر اسمه الآن أنه قيل له: لم كنتم تأخذون العشر من مشركي العرب؟ فقال: لأنهم كانوا يأخذون منا العشر إذا دخلنا إليهم. قال الشافعي: وأقل ما يجب أن يشارطوا عليه هو ما فرضه عمر رضي الله عنه، وإن شورطوا على أكثر فحسن قال: وحكم الحربي إذا دخل بأمان حكم الذمي.
وأما المسألة السادسة: وهي فيماذا تصرف الجزية؟ فإنهم اتفقوا على أنها مشتركة لمصالح المسلمين من غير تحديد كالحال في الفئ عند من رأى أنه مصروف إلى اجتهاد الامام، حتى لقد رأى كثير من الناس أن اسم الفئ إنما ينطلق على الجزية في آية الفئ، وإذا كان الامر هكذا. فالأموال الاسلامية ثلاثة أصناف: صدقة، وفي، وغنيمة، وهذا القدر كاف في تحصيل قواعد هذا الكتاب والله الموفق للصواب.