المسألة الأولى: أجمع العلماء على جواز الضحايا من جميع بهيمة الأنعام، واختلفوا في الأفضل من ذلك. فذهب مالك إلى أن الأفضل في الضحايا: الكباش ثم البقر ثم الإبل، بعكس الامر عنده في الهدايا، وقد قيل عنه: الإبل ثم البقر ثم الكباش، وذهب الشافعي إلى عكس ما ذهب إليه مالك في الضحايا: الإبل ثم البقر ثم الكباش، وبه قال أشهب وابن شعبان. وسبب اختلافهم: معارضة القياس لدليل الفعل، وذلك أنه لم يرو عنه عليه الصلاة والسلام أنه ضحى إلا بكبش، فكان ذلك دليلا على أن الكباش في الضحايا أفضل، وذلك فيما ذكر بعض الناس، وفي البخاري عن ابن عمر ما يدل على خلاف ذلك وهو أنه قال:
كان رسول الله (ص) يذبح وينحر بالمصلى وأما القياس فلان الضحايا قربة بحيوان فوجب أن يكون الأفضل فيها الأفضل في الهدايا، وقد احتج الشافعي لمذهبه بعموم قوله عليه الصلاة والسلام: من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشا الحديث، فكان الواجب حمل هذا على جميع القرب بالحيوان. وأما مالك فحمله على الهدايا فقط لئلا يعارض الفعل القول وهو الأولى. وقد يمكن أن يكون لاختلافهم سبب آخر، وهو هل الذبح العظيم الذي فدى به إبراهيم سنة باقية إلى اليوم وأنها الأضحية، وأن ذلك معنى قوله - تعالى - * (وتركنا عليه في الآخرين) * فمن ذهب إلى هذا قال: الكباش أفضل، ومن رأى أن ذلك ليست سنة باقية لم يكن عنده دليل على أن الكباش أفضل، مع أنه قد ثبت أن رسول الله (ص) ضحى بالامرين جميعا. وإذا كان ذلك كذلك فالواجب المصير إلى قول الشافعي، وكلهم مجمعون على أنه لا تجوز الضحية بغير بهيمة الأنعام إلا ما حكي عن الحسن بن الصالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، والظبي عن واحد.
المسألة الثانية: أجمع العلماء على اجتناب العرجاء البين عرجها في الضحايا والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقى مصيرا لحديث البراء بن عازب أن رسول الله (ص) سئل ماذا ينقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال: أربع - وكان البراء يشير بيده ويقول: يدي أقصر من يد رسول الله (ص) - العرجاء البين عرجها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التي لا تنقى وكذلك أجمعوا على أن ما كان من هذه الأربع خفيفا فلا تأثير له في منع الاجزاء. واختلفوا في موضعين: أحدهما: فيما كان من العيوب أشد من هذه المنصوص عليها مثل العمى وكسر الساق، والثاني: فيما كان مساويا لها في إفادة النقص وشينها، أعني ما كان من العيوب في الاذن والعين والذنب والضرس وغير