أحد مذهبين: إما مذهب الترجيح، أو النسخ، وإما مذهب الجمع، فمن رجح حديث بسرة، أو رآه ناسخا لحديث طلق بن علي، قال: بإيجاب الوضوء من مس الذكر، ومن رجح حديث طلق بن علي أسقط وجوب الوضوء من مسه، ومن رام أن يجمع بين الحديثين أوجب الوضوء منه في حال، ولم يوجبه في حال، أو حمل حديث بسر على الندب، وحديث طلق بن علي على نفي الوجوب، والاحتجاجات التي يحتج بها كل واحد من الفريقين في ترجيح الحديث الذي رجحه كثيرة يطول ذكرها، وهي موجودة في كتبهم، ولكن نكتة اختلافهم هو ما أشرنا إليه.
المسألة الخامسة: اختلف الصدر الأول في إيجاب الوضوء من أكل ما مسته النار، لاختلاف الآثار الواردة في ذلك عن رسول الله (ص). واتفق جمهور فقهاء الأمصار بعد الصدر الأول على سقوطه، إذ صح عندهم أنه كان آخر الامرين من رسول الله (ص) ترك الوضوء مما مست النار خرجه أبو داود. ولكن ذهب قوم من أهل الحديث أحمد وإسحاق، وطائفة غيرهم أن الوضوء يجب فقط من أكل لحم الجزور لثبوت الحديث الوارد بذلك عنه عليه الصلاة والسلام.
المسألة السادسة: شذ أبو حنيفة، فأوجب الوضوء من الضحك في الصلاة لمرسل أبي العالية، وهو أن قوما ضحكوا في الصلاة، فأمرهم النبي (ص) بإعادة الوضوء، والصلاة ورد الجمهور هذا الحديث، لكونه مرسلا، ولمخالفته للأصول، وهو أن يكون شئ ما ينقض الطهارة في الصلاة، ولا ينقضها في غير الصلاة، وهو مرسل صحيح.
المسألة السابعة: وقد شذ قوم فأوجبوا الوضوء من حمل الميت وفيه أثر ضعيف:
من غسل ميتا، فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ. وينبغي أن تعلم أن جمهور العلماء أوجبوا الوضوء من زوال العقل بأي نوع كان من قبل إغماء، أو جنون، أو سكر، وهؤلاء كلهم قاسوه على النوم، أعني أنهم رأوا أنه إذا كان النوم يوجب الوضوء في الحالة التي هي سبب للحدث غالبا، وهو الاستثقال، فأحرى أن يكون ذهاب العقل سببا لذلك، فهذه هي مسائل الباب المجمع عليها، والمشهورات من المختلف فيها، وينبغي أن نصير إلى الباب الخامس.
الباب الخامس وهو معرفة الأفعال التي تشترط هذه الطهارة في فعلها والأصل في هذا الباب قوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة) * الآية.
وقوله عليه الصلاة والسلام: لا يقبل الله صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول.