يمكن أن يفهم منه تناول أعيان هذه الخمسة بعد الموت وقبله كالحال في الخنزير الذي لا تعمل فيه الذكاة، فيكون الاستثناء على هذا رافعا لتحريم أعيانها بالتنصيص على عمل الذكاة فيها، وإذا كان ذلك كذلك لم يلزم ما اعتر ض به ذلك المعترض من الاستدلال على كون الاستثناء منقطعا. وأما من فرق بين المنفوذة المقاتل والمشكوك فيها فيحتمل أن يقال إن مذهبه أن الاستثناء منقطع وأنه إنما جاز تأثير الذكاة في المرجوة بالاجماع، وقاس المشكوكة على المرجوة. ويحتمل أن يقال إن الاستثناء متصل، ولكن استثناء هذا الصنف من الموقوذة بالقياس، وذلك أن الذكاة إنما يجب أن تعمل في حين يقطع أنها سبب الموت. فأما إذا شك هل كان موجب الموت الذكاة أو الوقذ أو النطح أو سائرها فلا يجب أن تعمل في ذلك وهذه هي حال المنفوذة المقاتل. وله أن يقول إن المنفوذة المقاتل في حكم الميتة والذكاة من شرطها أن ترفع الحياة الثابتة لا الحياة الذاهبة.
المسألة الثانية: وأما هل تعمل الذكاة في الحيوانات المحرمات الأكل حتى تطهر بذلك جلودهم، فإنهم أيضا اختلفوا في ذلك، فقال مالك: الذكاة تعمل في السباع وغيرها ما عدا الخنزير، وبه قال أبو حنيفة إلا أنه اختلف المذهب فكون السباع فيه محرمة أو مكروهة على ما سيأتي في كتاب الأطعمة والأشربة. وقال الشافعي: الذكاة تعمل في كل حيوان محرم الأكل فيجوز بيع جميع أجزائه والانتفاع بها ما عدا اللحم. وسبب الخلاف: هل جميع أجزاء الحيوان تابعة للحم في الحلية والحرمة، أم ليست بتابعة للحم؟
فمن قال إنها تابعة للحم قال: إذا لم تعمل الذكاة في اللحم لم تعمل فيما سواه، ومن رأى أنها ليست بتابعة قال: وإن لم تعمل في اللحم فإنها تعمل في سائر أجزاء الحيوان، لان الأصل أنها تعمل في جميع الأجزاء، فإذا ارتفع بالدليل المحرم للحم عملها في اللحم بقي عملها في سائر الأجزاء إلا أن يدل الدليل على ارتفاعه.
المسألة الثالثة: واختلفوا في تأثير الذكاة في البهيمة التي أشرفت على الموت من شدة المرض بعد اتفاقهم على عمل الذكاة في التي تشرف على الموت، فالجمهور على أن الذكاة تعمل فيها وهو المشهور عن مالك. وروي عنه أن الذكاة لا تعمل فيها. وسبب الخلاف: معارضة القياس للأثر. فأما الأثر فهو ما روي أن أمة لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجر، فسئل رسول الله (ص) فقال:
كلوها أخرجه البخاري ومسلم. وأما القياس فلان المعلوم من الذكاة أنها إنما تفعل في الحي وهذه في حكم الميت وكل من أجاز ذبحها فإنهم اتفقوا على أنه لا تعمل الذكاة فيها إلا إذا كان فيها دليل على الحياة. واختلفوا فيما هو الدليل المعتبر في ذلك.