أعني من جهة قياس التيمم على الوضوء وهو بعينه حملهم على أن عدلوا بلفظ اسم اليد عن الكف الذي هو فيه أظهر إلى الكف والساعد، ومن زعم أنه ينطلق عليهما بالسواء وأنه ليس في أحدهما أظهر منه في الثاني فقد أخطأ، فإن اليد وإن كانت اسما مشتركا، فهي في الكف حقيقة، وفيما فوق الكف مجاز، وليس كل اسم مشترك هو مجمل، وإنما المشترك المجمل الذي وضع من أول أمره مشتركا. وفي هذا قال الفقهاء: إنه لا يصح الاستدلال به، ولذلك ما نقول: إن الصواب هو أن يعتقد أن الفرض إنما هو الكفان فقط، وذلك أن اسم اليد لا يخلو أن يكون في الكف أظهر منه في سائر الأجزاء، أو يكون دلالته على سائر أجزاء الذراع والعضد بالسواء، فإن كان أظهر فيجب المصير إليه على ما يجب المصير إلى الاخذ بالظاهر وإن لم يكن أظهر فيجب المصير إلى الاخذ بالأثر الثابت، فأما أن يغلب القياس هاهنا على الأثر فلا معنى له، ولا أن ترجح به أيضا أحاديث لم تثبت بعد، فالقول في هذه المسألة بين من الكتاب والسنة فتأمله. وأما من ذهب إلى الآباط، فإنما ذهب إلى ذلك لأنه قد روي في بعض طرق حديث عمار أنه قال:
تيممنا مع رسول الله (ص) فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب. ومن ذهب إلى أن يحمل تلك الأحاديث على الندب وحديث عمار على الوجوب فهو مذهب حسن إذا كان الجمع أولى من الترجيح عند أهل الكلام الفقهي، إلا أن هذا إنما ينبغي أن يصار إليه إن صحت تلك الأحاديث.
المسألة الثانية: اختلف العلماء في عدد الضربات على الصعيد للتيمم، فمنهم من قال واحدة، ومنهم من قال اثنتين، والذين قالوا اثنتين منهم من قال: ضربة للوجه وضربة لليدين، وهم الجمهور وإذا قلت الجمهور، فالفقهاء الثلاثة معدودون فيهم: أعني مالكا والشافعي وأبا حنيفة. ومنهم من قال: ضربتان لكل واحد منهما: أعني لليد ضربتان، وللوجه ضربتان. والسبب في اختلافهم: أن الآية مجملة في ذلك، والأحاديث متعارضة، وقياس التيمم على الوضوء في جميع أحواله غير متفق عليه، والذي في حديث عمار الثابت من ذلك إنما هو ضربة واحدة للوجه والكفين معا، لكن ها هنا أحاديث فيها ضربتان، فرجح الجمهور هذه الأحاديث لمكان قياس التيمم على الوضوء.
المسألة الثالثة: اختلف الشافعي مع مالك وأبي حنيفة وغيرهما في وجوب توصيل التراب إلى أعضاء التيمم فلم ير ذلك أبو حنيفة واجبا ولا مالك ورأي ذلك الشافعي واجبا. وسبب اختلافهم الاشتراك الذي في حرف من في قوله تعالى: * (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) * وذلك أن من ترد للتبعيض، وقد ترد لتمييز الجنس، فمن ذهب إلى أنها هنا للتبعيض أوجب نقل التراب إلى أعضاء التيمم، ومن رأى أنها لتمييز