قال: إنها سنة بآثار: منها حديث الحجاج بن أرطاة عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: سأل رجل النبي (ص) عن العمرة، أواجبة هي؟ قال: لا، ولان تعتمر خير لك قال أبو عمر بن عبد البر: وليس هو حجة فيما انفرد به، وربما احتج من قال: إنها تطوع بما روي عن أبي صالح الحنفي قال: قال رسول الله (ص) الحج واجب، والعمرة تطوع وهو حديث منقطع. فسبب الخلاف في هذا: تعارض الآثار في هذا الباب، وتردد الامر بالتمام بين أن يقتضي الوجوب، أم لا يقتضيه.
القول الأول في الجنس الثاني وهو تعريف أفعال هذه العبادة في نوع منها، والتروك المشترطة فيها وهذه العبادة كما قلنا صنفان: حج، وعمرة. والحج ثلاثة أصناف: إفراد، وتمتع، وقران، وهي كلها تشتمل على أفعال محدودة في أمكنة محدودة، وأوقات محدودة، ومنها فرض، ومنها غير فرض، وعلى تروك تشترط في تلك الأفعال، ولكل من هذه أحكام محدودة إما عند الاحلال بها، وإما عند الطوارئ المانعة منها، فهذا الجنس ينقسم أولا إلى القول في الأفعال، وإلى القول في التروك. وأما الجنس الثالث فهو الذي يتضمن القول في الاحكام، فلنبدأ بالأفعال، وهذه منها ما تشترك فيه هذه الأربعة الأنواع من النسك أعني أصناف الحج الثلاث، والعمرة، ومنها ما يختص بواحد واحد منها فلنبدأ من القول فيها بالمشترك، ثم نصير إلى ما يخص واحدا واحدا منها فنقول: إن الحج، والعمرة أول أفعالهما الفعل الذي يسمى الاحرام.
القول في شروط الاحرام والاحرام شروطه الأول: المكان، والزمان. أما المكان، فهو الذي يسمى مواقيت الحج، فلنبدأ بهذا، فنقول: إن العلماء بالجملة مجمعون على أن المواقيت التي منها يكون الاحرام، أما لأهل المدينة فذو الحليفة، وأما لأهل الشام فالجحفة، ولأهل نجد قرن.
وأهل اليمن يلملم لثبوت ذلك عن رسول الله (ص) من حديث ابن عمر، وغيره. واختلفوا في ميقات أهل العراق: فقال جمهور فقها الأمصار ميقاتهم من ذات عرق وقال الشافعي، والثوري: إن أهلوا من العقيق كان أحب. واختلفوا فيمن أقته لهم، فقالت طائفة: عمر بن الخطاب، وقالت طائف: بل رسول الله (ص) هو الذي أقت لأهل العراق ذات عرق، والعقيق، وروي ذلك من حديث جابر، وابن عباس وعائشة. وجمهور العلماء على أن من يخطئ هذه، وقصده الاحرام، فلم يحرم إلا بعدها أن عليه دما، وهؤلاء منهم من قال: إن رجع إلى الميقات فأحرم منه، سقط عنه الدم، ومنهم الشافعي ومنهم من قال: لا يسقط عنه الدم، وإن رجع، وبه قال مالك وقال قوم: ليس عليه دم وقال آخرون إن لم يرجع إلى الميقات،