عنه، وحددوه بقدر الدرهم البغلي، وممن قال بهذا القول أبو حنيفة وشذ محمد بن الحسن فقال: إن كانت النجاسة ربع الثوب فما دونه، جازت به الصلاة. وقال فريق ثالث: قليل النجاسات وكثيرها سواء إلا الدم على ما تقدم، وهو مذهب مالك وعنه في دم الحيض روايتان، والأشهر مساواته لسائر الدماء. وسبب اختلافهم: اختلافهم في قياس النجاسة على الرخصة الواردة في الاستجمار، للعلم بأن النجاسة هناك باقية، فمن أجاز القياس على ذلك استجاز قليل النجاسة، ولذلك حدده بالدرهم قياسا على قدر المخرج، ومن رأى أن تلك رخصة، والرخص لا يقاس عليها منع ذلك. وأما سبب استثناء مالك من ذلك الدماء فقد تقدم. وتفصيل مذهب أبي حنيفة أن النجاسات عنده تنقسم إلى مغلظة، ومخففة، وأن المغلظة هي التي يعفى منها عن قدر الدرهم، والمخففة هي التي يعفى منها عن ربع الثوب والمخففة عندهم (هي) مثل أرواث الدواب، وما لا تنفك منه الطرق غالبا. وتقسيمهم إياها إلى مغلظة، ومخففة حسن جدا المسألة السابعة: اختلفوا في المني هل هو نجس أم لا؟، فذهبت طائفة منهم مالك وأبو حنيفة إلى أنه نجس وذهبت طائفة إلى أنه طاهر، وبهذا قال الشافعي وأحمد وداود. وسبب اختلافهم فيه شيئان: أحدهما: اضطراب الرواية في حديث عائشة وذلك أن في بعضها: كنت أغسل ثوب رسول الله (ص) من المني فيخرج إلى الصلاة، وإن فيه لبقع الماء وفي بعضها: كنت أفركه من ثوب رسول الله (ص) وفي بعضها فيصلي فيه خرج هذه الزيادة مسلم. والسبب الثاني:
تردد المني بين أن يشبه بالاحداث الخارجة من البدن، وبين أن يشبه بخروج الفضلات الطاهرة كاللبن وغيره، فمن جمع الأحاديث كلها بأن حمل الغسل على باب النظافة، واستدل من الفرك على الطهارة على أصله في أن الفرك لا يطهر نجاسة، وقاسه على اللبن وغيره من الفضلات الشريفة، لم يره نجسا، ومن رجح حديث الغسل على الفرك، وفهم منه النجاسة، وكان بالاحداث عنده أشبه منه مما ليس بحدث قال: إنه نجس، وكذلك أيضا من اعتقد أن النجاسة تزول بالفرك، قال: الفرك يدل على نجاسته، كما يدل الغسل، وهو مذهب أبي حنيفة. وعلى هذا، فلا حجة لأولئك في قولها: فيصلي فيه، بل فيه حجة لأبي حنيفة في أن النجاسة تزال بغير الماء، وهو خلاف قول المالكية.
الباب الثالث: في معرفة المحال التي يجب إزالتها عنها وأما المحال التي تزال عنها النجاسات فثلاثة، ولا خلاف في ذلك: أحدها: الأبدان، ثم الثياب، ثم المساجد، ومواضع الصلاة، وإنما اتفق العلماء على هذه الثلاثة لأنها منطوق بها في الكتاب والسنة. أما الثياب ففي قوله تعالى وثيابك فطهر على مذهب من حملها