حمل الأوامر هاهنا على الندب، أو كان الأصل عنده في الأوامر أن تحمل على الندب حتى يدل الدليل على الوجوب، فإن هذا قد قال به قوم، قال: الركعتان غير واجبتين، لكن الجمهور إنما ذهبوا إلى حمل الامر هاهنا على الندب لمكان التعارض الذي بينه، وبين الأحاديث التي تقتضي بظاهرها أو بنصها أن لا صلاة مفروضة إلا الصلوات الخمس التي غيره، وذلك أنه إن حمل الامر هاهنا على الوجوب، لزم أن تكون المفروضات أكثر من خمس، ولمن أوجبها أن الوجوب هاهنا، إنما هو متعلق بدخول المسجد، لا مطلقا كالأمر بالصلوات المفروضة، وللفقهاء أن تقييد وجوبها بالمكان شبيه بتقييد وجوبها بالزمان، ولأهل الظاهر أن المكان المخصوص ليس من شرط صحة الصلاة، والزمان من شرط صحة الصلاة المفروضة. واختلف العلماء من هذا الباب فيمن جاء المسجد، وقد ركع ركعتي الفجر في بيته هل يركع عند دخول المسجد، أم لا؟ فقال الشافعي: يركع، وهي رواية أشهب عن مالك، وقال أبو حنيفة:
لا يركع، وهي رواية ابن القاسم عن مالك. وسبب اختلافهم: معارضة عموم قوله عليه الصلاة والسلام: إذا جاء أحدكم المسجد، فليركع ركعتين وقوله عليه الصلاة والسلام:
لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الصبح. فها هنا عمومان، وخصوصان: أحدهما في الزمان، والاخر في الصلاة، وذلك أن حديث الامر بالصلاة عند دخول المسجد عام في الزمان خاص في الصلاة، والنهي عن الصلاة بعد الفجر إلا ركعتي الصبح خاص في الزمان عام في الصلاة، فمن استثنى خاص الصلاة من عامها رأى الركوع بعد ركعتي الفجر، ومن استثنى خاص الزمان من عامه لم يوجب ذلك، وقد قلنا إن مثل هذا التعارض إذا وقع، فليس يجب أن يصار إلى أحد التخصيصين إلا بدليل، وحديث النهي لا يعارض به حديث الامر الثابت، والله أعلم. فإن ثبت الحديث، وجب طلب الدليل من موضع آخر.
الباب الخامس: في قيام رمضان وأجمعوا على أن قيام شهر رمضان مرغب فيه أكثر من سائر الأشهر لقوله عليه الصلاة والسلام: من قام رمضان، إيمانا، واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وأن التراويح التي جمع عليها عمر بن الخطاب الناس ورغب فيها، وإن كانوا اختلفوا أي أفضل؟ أهي، أو الصلاة آخر الليل؟ أعني التي كانت صلاة رسول الله (ص)، لكن الجمهور على أن الصلاة آخر الليل أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام: أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا المكتوبة ولقول عمر فيها: والتي تنامون عنها أفضل. واختلفوا في المختار من عدد الركعات التي يقوم بها الناس في رمضان، فاختار مالك في أحد قوليه، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وداود، القيام بعشرين ركعة سوى الوتر. وذكر ابن القاسم عن مالك أنه كان يستحسن ستا وثلاثين ركعة، والوتر ثلاث. وسبب اختلافهم: اختلاف النقل في ذلك، وذلك