مما اتفق الصحاح على تخريجه، ولم يكن عنده فرق بين أن يغتسلا، لان المغتسلين معا كواحد منهما مغتسل بفضل صاحبه، وصحح حديث ميمونة مع هذا الحديث، ورجحه على حديث الغفاري، فقال: بطهر الأسئار على الاطلاق. وأما من رجح حديث الغفاري على حديث وحديث اغتسال النبي عليه الصلاة والسلام مع أزواجه من إناء واحد بأن فرق بين الاغتسال معا، وبين أن يغتسل أحدهما بفضل الاخر. وعمل على هذين الحديثين فقط، أجاز للرجل أن يتطهر مع المرأة من إناء واحد، ولم يجز أن يتطهر هو من فضل طهرها، وأجاز أن تتطهر هي من فضل طهره. وأما من ذهب مذهب الجمع بين الأحاديث كلها ما خلا حديث ميمونة، فإنه أخذ بحديث عبد الله بن سرجس. لأنه يمكن أن يجتمع عليه حديث الغفاري، وحديث غسل النبي (ص) مع أزواجه من إناء واحد، ويكون فيه زيادة، وهي ألا تتوضأ المرأة أيضا بفضل الرجل. لكن يعارضه حديث ميمونة، وهو حديث خرجه مسلم، لكن قد علله كما قلنا بعض الناس من أن بعض رواته قال فيه: أكثر ظني، وأكثر علمي أن أبا الشعثاء حدثني. وأما من لم يجز لواحد منهما أن يتطهر بفضل صاحبه ولا يشرعان معا، فلعله لم يبلغه من الأحاديث إلا حديث الحكم الغفاري، وقاس الرجل على المرأة، وأما من نهى عن سؤر المرأة الجنب، والحائض فقط، فلست أعلم له حجة، إلا أنه مروي عن بعض السلف أحسبه عن ابن عمر.
المسألة السادسة: صار أبو حنيفة من بين معظم أصحابه، وفقهاء الأمصار إلى إجازة الوضوء بنبيذ التمر في السفر لحديث ابن عباس: أن ابن مسعود خرج مع رسول الله (ص) ليلة الجن فسأله رسول الله (ص) فقال: هل معك من ماء؟ فقال: معي نبيذ في إداوتي، فقال رسول الله (ص): اصبب، فتوضأ به وقال شراب وطهور وحديث أبي رافع مولى ابن عمر عن عبد الله ابن مسعود بمثله، وفيه فقال رسول الله (ص): ثمرة طيبة وماء طهور وزعموا أنه منسوب إلى الصحابة علي وابن عباس، وأنه لا مخالف لهم من الصحابة فكان كالاجماع عندهم. ورد أهل الحديث هذا الخبر ولم يقبلوه لضعف رواته، ولأنه قد روي من طرق أوثق من هذه الطرق أن ابن مسعود لم يكن مع رسول الله (ص) ليلة الجن. واحتج الجمهور لرد هذا الحديث بقوله تعالى: * (فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) *. قال فلم يجعل ها هنا وسطا بين الماء والصعيد، وبقوله عليه الصلاة والسلام:
الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء إلى عشر حجيج، فإذا وجد الماء،