بعض المحدثين، واختلفوا في غير ذلك، والقواعد من ذلك سبع مسائل:
المسألة الأولى: اختلفوا في ميتة الحيوان الذي لا دم له، وفي ميتة الحيوان البحري، فذهب قوم إلى أن ميتة ما لا دم له طاهرة، وكذلك ميتة البحر، وهو مذهب مالك وأصحابه وذهب قوم إلى التسوية بين ميتة ذوات الدم. والتي لا دم لها في النجاسة، واستثنوا من ذلك ميتة البحر، وهو مذهب الشافعي، إلا ما وقع الاتفاق على أنه ليس بميتة مثل دود الخل، وما يتولد في المطعومات، وسوى قوم بين ميتة البر والبحر، واستثنوا ميتة ما لا دم له، وهو مذهب أبي حنيفة. وسبب اختلافهم: اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: * (حرمت عليكم الميتة) * وذلك أنهم - فيما أحسب - اتفقوا أنه من باب العام أريد به الخاص، واختلفوا أي خاص أريد به، فمنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر. وما لا دم له، ومنهم من استثنى من ذلك ميتة البحر فقط، ومنهم من استثنى من ذلك ميتة ما لا دم له فقط. وسبب اختلافهم في هذه المستثنيات: هو سبب اختلافهم في الدليل المخصوص. أما من استثنى من ذلك ما لا دم له، فحجته مفهوم الأثر الثابت عنه عليه الصلاة والسلام من أمره بمقل الذباب إذا وقع في الطعام. قالوا: فهذا يدل على طهارة الذباب، وليس لذلك علة إلا أنه غير ذي دم. وأما الشافعي فعذره أن هذا خاص بالذباب لقوله عليه الصلاة والسلام: فإن في إحدى جناحيه داء وفي الأخرى دواء ووهن الشافعي هذا المفهوم من الحديث بأن ظاهر الكتاب يقتضي أن الميتة والدم نوعان من أنواع المحرمات: أحدهما تعمل فيه التذكية، وهي الميتة، وذلك في الحيوان المباح الأكل باتفاق، والدم لا تعمل فيه التذكية، فحكمهما مفترق فكيف يجوز أن يجمع بينهما حتى يقال: إن الدم هو سبب تحريم الميتة؟ وهذا قوي كما ترى، فإنه لو كان الدم هو السبب في تحريم الميتة، لما كانت ترتفع الحرمية عن الحيوان بالذكاة، وتبقى حرمية الدم الذي لم ينفصل بعد عن المذكاة، وكانت الحلية إنما توجد بعد انفصال الدم عنه، لأنه إذا ارتفع السبب ارتفع المسبب الذي يقتضيه ضرورة، لأنه إن وجد السبب والمسبب غير موجود، فليس هو سببا، ومثال ذلك أنه إذا ارتفع التحريم عن عصير العنب، وجب ضرورة أن يرتفع الاسكار إن كنا نعتقد أن الاسكار هو سبب التحريم. وأما من استثنى من ذلك ميتة البحر، فإنه ذهب إلى الأثر الثابت في ذلك من حديث جابر وفيه: أنهم أكلوا من الحوت الذي رماه البحر أياما، وتزودوا منه وأنهم أخبروا بذلك رسول الله (ص)، فاستحسن فعلهم وسألهم: هل بقي منه شئ؟ وهو دليل على أنه لم يجوز لهم لمكان ضرورة خروج الزاد عنهم. واحتجوا أيضا بقوله عليه الصلاة والسلام: هو