(ص) هدي، ويبعد أن يأمر بالقران من معه هدي، ويكون معه هدي ولا يكون قارنا. وحديث مالك أيضا عن نافع عن ابن عمر عن حفصة عن النبي (ص) أنه قال: إني قلدت هديي، ولبدت رأسي، فلا أحل حتى أنحر هديي وقال أحمد: لا أشك أن رسول الله (ص) كان قارنا، والتمتع أحب إلي، واحتج في اختياره بقوله عليه الصلاة والسلام لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة. واحتج من طريق المعنى من رأى أن الافراد الأفضل أن التمتع، والقران رخصة، ولذلك وجب فيهما الدم. وإذ قلنا في وجوب هذا النسك وعلى من يجب، وما شروط وجوبه، ومتى يجب، وفي أي وقت يجب، ومن أي مكان يجب، وقلنا بعد ذلك فيما يجتنبه المحرم بما هو محرم، ثم قلنا أيضا في أنواع هذا النسك، يجب أن نقول في أول أفعال الحاج، أو المعتمر، وهو الاحرام.
القول في الاحرام واتفق جمهور العلماء على أن الغسل للاهلال سنة، وأنه من أفعال المحرم حتى قال ابن نوار: إن هذا الغسل للاهلال عند مالك أوكد من غسل الجمعة، وقال أهل الظاهر، هو واجب، وقال أبو حنيفة، والثوري: يجزئ منه الوضوء. وحجة أهل الظاهر مرسل مالك من حديث أسماء بنت عميس أنها ولدت محمد بن أبي بكر بالبيداء، فذكر ذلك أبو بكر لرسول الله (ص)، فقال: مرها، فتغتسل، ثم لتهل والامر عندهم على الوجوب. وعمدة الجمهور أن الأصل هو براءة الذمة حتى يثبت الوجوب بأمر لا مدفع فيه. وكان عبد الله بن عمر يغتسل لاحرامه قبل أن يحرم، ولدخوله مكة، ولوقوفه عشية يوم عرفة ومالك يرى هذه الاغتسالات الثلاث من أفعال المحرم. واتفقوا على أن الاحرام لا يكون إلا بنية واختلفوا هل تجزئ النية فيه من غير التلبية؟ فقال مالك والشافعي: تجزئ النية من غير التلبية.
وقال أبو حنيفة: التلبية في الحج كالتكبيرة في الاحرام بالصلاة، إلا أنه يجزئ عنده كل لفظ يقوم مقام التلبية، كما يجزئ عنده في افتتاح الصلاة كل لفظ يقوم مقام التكبير، وهو كل ما يدل على التعظيم. واتفق العلماء على أن لفظ تلبية رسول الله (ص) لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك وهي من رواية مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي (ص)، وهو أصح سندا. واختلفوا في هل هي واجبة بهذا اللفظ أم لا؟ فقال أهل الظاهر: هي واجبة بهذا اللفظ. ولا خلاف عند الجمهور في استحباب هذا اللفظ، وإنما اختلفوا في الزيادة عليه، أو في تبديله. وأوجب أهل الظاهر رفع الصوت بالتلبية، وهو مستحب عند الجمهور لما رواه مالك أن رسول الله (ص) قال:
أتاني جبريل، فأمرني أن آمر أصحابي، ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، وبالاهلال.
وأجمع أهل العلم على أن تلبية المرأة فيما حكاه أبو عمر، هو أن تسمع نفسها بالقول. وقال