الماء المطلق للماء الذي خالطه أمثال هذه الأشياء، أعني هل يتناوله، أو لا يتناوله؟ فمن رأى أنه لا يتناوله اسم الماء المطلق وإنما يضاف إلى الشئ الذي خالطه، فيقال ماء كذا، لا ماء مطلق لم يجز الوضوء به، إذ كان الوضوء إنما يكون بالماء المطلق، ومن رأى أنه يتناوله اسم الماء المطلق، أجاز به الوضوء. ولظهور عدم تناول اسم الماء للماء المطبوخ مع شئ طاهر اتفقوا على أنه لا يجوز الوضوء به، وكذلك في مياه النبات المستخرجة منه، إلا ما في كتاب ابن شعبان من إجازة طهر الجمعة بماء الورد. والحق أن الاختلاط يختلف بالكثرة، والقلة، فقد يبلغ من الكثرة إلى حد لا يتناوله اسم المطلق مثل ما يقال ماء الغسل، وقد لا يبلغ إلى ذلك الحد، وبخاصة متى تغيرت منه الريح فقط، ولذلك لم يعتبر الريح قوم ممن منعوا الماء المضاف، وقد قال عليه الصلاة والسلام لام عطية عند أمره إياها بغسل ابنته: اغسلنها بماء وسدر واجعلن في الأخيرة كافورا، أو شيئا من كافور. فهذا ماء مختلط، ولكنه لم يبلغ من الاختلاط بحيث يسلب عنه اسم الماء المطلق وقد روي عن مالك اعتبار الكثرة في المخالطة والقلة والفرق بينهما، فأجازه مع القلة، وإن ظهرت الأوصاف، ولم يجزه مع الكثرة.
المسألة الثالثة: الماء المستعمل في الطهارة اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال: فقوم لم يجيزوا الطهارة به على كل حال، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة وقوم كرهوه، ولم يجيزوا التيمم مع وجوده، وهو مذهب مالك وأصحابه وقوم لم يروا بينه، وبين الماء المطلق فرقا، وبه قال أبو ثور، وداود وأصحابه وشذ أبو يوسف فقال إنه نجس. وسبب الخلاف في هذا: أيضا ما يظن من أنه لا يتناوله اسم الماء المطلق، حتى إن بعضهم غلا، فظن أن اسم الغسالة أحق به من اسم الماء، وقد ثبت: أن النبي (ص) كان أصحابه يقتتلون على فضل وضوئه. ولابد أن يقع من الماء المستعمل في الاناء الذي بقي فيه الفضل، وبالجملة، فهو ماء مطلق، لأنه في الأغلب ليس ينتهي إلى أن يتغير أحد أوصافه بدنس الأعضاء التي تغسل به، فإن انتهى إلى ذلك، فحكمه حكم الماء الذي تغير أحد أوصافه بشئ طاهر، وإن كان هذا تعافه النفوس أكثر، وهذا لحظ من كرهه، وأما من زعم أنه نجس فلا دليل معه.
المسألة الرابعة: اتفق العلماء على طهارة أسئار المسلمين، وبهيمة الانعام واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافا كثيرا، فمنهم من زعم أن كل حيوان طاهر السؤر، ومنهم من استثنى من ذلك الخنزير فقط، وهذان القولان مرويان عن مالك ومنهم من استثنى من ذلك الخنزير والكلب، وهو مذهب الشافعي، ومنهم من استثنى من ذلك السباع عامة وهو مذهب ابن القاسم، ومنهم من ذهب إلى أن الأسئار تابعة للحوم، فإن كانت اللحوم محرمة، فالأسئار نجسة، وإن كانت مكروهة فالأسئار مكروهة، وإن كانت مباحة