الواجب مسح الباطن، أو الأعلى أيهما مسح. وسبب اختلافهم: تعارض الآثار الواردة في ذلك، وتشبيه المسح بالغسل، وذلك أن في ذلك أثرين متعارضين: أحدهما: حديث المغيرة بن شعبة، وفيه: أنه (ص) مسح أعلى الخف، وباطنه. والاخر: حديث علي: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت رسول الله (ص) يمسح على ظاهر خفيه. فمن ذهب مذهب الجمع بين الحديثين، حمل حديث المغيرة على الاستحباب، وحديث علي على الوجوب، وهي طريقة حسنة. ومن ذهب مذهب الترجيح، أخذ إما بحديث علي، وإما بحديث المغيرة، فمن رجح حديث المغيرة على حديث علي رجحه من قبل القياس، أعني قياس المسح على الغسل، ومن رجح حديث علي رجحه من قبل مخالفته للقياس، أو من جهة السند والأسد في هذه المسألة هو مالك. وأما من أجاز الاقتصار على المسح فقط فلا أعلم له حجة، لأنه لا هذا الأثر اتبع، ولا هذا القياس استعمل - أعني قيا س المسح على الغسل.
المسألة الثالثة: وأما نوع محل المسح فإن الفقهاء القائلين بالمسح اتفقوا على جواز المسح على الخفين، واختلفوا في المسح على الجوربين، فأجاز ذلك قوم ومنعه قوم.
وممن منع ذلك مالك والشافعي وأبو حنيفة، وممن أجاز ذلك أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وسفيان الثوري. وسبب اختلافهم في صحة الآثار الواردة عنه عليه الصلاة والسلام أنه مسح على الجوربين، والنعلين. واختلافهم أيضا في هل يقاس على الخف غيره، أم هي عبادة لا يقاس عليها، ولا يتعدى بها محلها؟ فمن لم يصح عنده الحديث، أو لم يبلغه، ولم ير القياس على الخف، قصر المسح عليه، ومن صح عنده الأثر، أو جوز القياس على الخف أجاز المسح على الجوربين، وهذا الأثر لم يخرجه الشيخان أعني البخاري ومسلم، وصححه الترمذي. ولتردد الجوربين المجلدين بين الخف والجورب غير المجلد، عن مالك في المسح عليهما روايتان: إحداهما بالمنع والأخرى بالجواز.
المسألة الرابعة: وأما صفة الخف، فإنهم اتفقوا على جواز المسح على الخف الصحيح واختلفوا في المخرق، فقال مالك وأصحابه: يمسح عليه إذا كان الخرق يسيرا.
أقل من ثلاثة أصابع. وقال قوم: بجواز المسح على الخف المنخرق ما دام يسمى خفا، وإن تفاحش خرقه، وممن روي عنه ذلك الثوري. ومنع الشافعي أن يكون في مقدم الخف خرق يظهر منه القدم، ولو كان يسيرا في أحد القولين عنه. وسبب اختلافهم في ذلك: اختلافهم في انتقال الفرض من الغسل إلى المسح هل هو لموضع الستر - أعني ستر خف القدمين - أم هو لموضع المشقة في نوع الخفين؟ فمن