(وأما متى يقطع المحرم التلبية) فإنهم اختلفوا في ذلك، فروى مالك أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقطع التلبية، إذا زاغت الشمس من يوم عرفة. وقال مالك:
وذلك الامر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا. وقال ابن شهاب: كانت الأئمة: أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي يقطعون التلبية عند زوال الشمس من يوم عرفة قال أبو عمر بن عبد البر: واختلف في ذلك عن عثمان، وعائشة. وقال جمهور فقهاء الأمصار وأهل الحديث:
وأبو حنيفة، والشافعي، والثوري، وأحمد، وإسحق وأبو ثور، وداود، وابن أبي ليلى، وأبو عبيد، والطبري، والحسن بن حيي: إن المحرم لا يقطع التلبية حتى يرمي جمرة العقبة لما ثبت أن رسول الله (ص) لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة إلا أنهم اختلفوا متى يقطعها، فقال قوم: إذا رماها بأسرها لما روي عن ابن عباس أن الفضل بن عباس كان رديف رسول الله (ص) وأنه لبى حتى رمى جمرة العقبة وقطع التلبية في آخر حصاة. وقال قوم: بل يقطعها في أول جمرة يلقيها، روي ذلك عن ابن مسعود. وروي في وقت قطع التلبية أقاويل غير هذه إلا أن هذين القولين، هما المشهوران. واختلفوا في وقت قطع التلبية بالعمرة، فقال مالك: يقطع التلبية إذا انتهى إلى الحرم وبه قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: إذا افتتح الطواف وسلف مالك في ذلك ابن عمر، وعروة وعمدة الشافعي أن التلبية معناها إجابة إلى الطواف بالبيت، فلا تنقطع حتى يشرع في العمل. وسبب الخلاف:
معارضة القياس لفعل بعض الصحابة، وجمهور العلماء كما قلنا متفقون على إدخال المحرم الحج على العمرة، ويختلفون في إدخال العمرة على الحج. وقال أبو ثور: لا يدخل حج على عمرة، ولا عمرة على حج، كما لا تدخل صلاة على صلاة. فهذه هي أفعال المحرم بما هو محرم، وهو أول أفعال الحج. وأما الفعل الذي بعد هذا فهو الطواف عند دخول مكة، فلنقل في الطواف.
القول في الطواف بالبيت والكلام في الطواف في صفته، وشروطه، وحكمه في الوجوب أو الندب، وفي أعداده القول في الصفة والجمهور مجمعون على أن صفة كل طواف واجبا كان، أو غير واجب أن يبتدئ من الحجر الأسود. فإن استطاع أن يقبله، قبله، أو يلمسه بيده، ويقبلها إن أمكنه، ثم يجعل البيت على يساره، ويمضي على يمينه فيطوف سبعة أشواط يرمل في الثلاثة الأشواط الأول، ثم يمشي في الأربعة، وذلك في طواف القدوم على مكة، وذلك للحاج، والمعتمر دون المتمتع، وأنه لا رمل على النساء، ويستلم الركن اليماني، وهو الذي على قطر الركن الأسود لثبوت هذه الصفة من فعله (ص). واختلفوا في حكم الرمل في الثلاثة الأشواط