الجمهور، ومنع من ذلك قوم وهو مذهب ابن شهاب. والسبب في اختلافهم: معارضة الآثار التي جاءت في تحريم الغلول للآثار الواردة في إباحة أكل الطعام من حديث ابن عمر وابن المغفل وحديث ابن أبي أوفى، فمن خصص أحاديث تحريم الغلول بهذه أجاز أكل الطعام للغزاة، ومن رجح أحاديث تحريم الغلول على هذا لم يجز ذلك، وحديث ابن مغفل هو قال: أصبت جراب شحم يوم خيبر، فقلت لا أعطي منه شيئا، فالتفت فإذا رسول الله (ص) يتبسم خرجه البخاري ومسلم. وحديث ابن أبي أوفى قال: كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا ندفعه خرجه أيضا البخاري. واختلفوا في عقوبة الغال، فقال قوم: يحرق رحله، وقال بعضهم: ليس له عقاب إلا التعزير. وسبب اختلافهم: اختلافهم في تصحيح حديث صالح بن محمد بن زائدة عن سالم عن ابن عمر أنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: من غل فأحرقوا متاعه.
الفصل الثالث: في حكم الأنفال وأما تنفيل الامام من الغنيمة لمن شاء، أعني أن يزيده على نصيبه، فإن العلماء اتفقوا على جوا ذلك، واختلفوا من أي شئ يكون النفل وفي مقداره وهل يجوز الوعد به قبل الحرب؟ وهل يجب السلب للقاتل أم ليس يجب إلا أن ينفله له الامام؟ فهذه أربع مسائل هي قواعد هذا الفصل.
أما المسألة الأولى: فإن قوما قالوا: النفل يكون من الخمس الواجب لبيت مال المسلمين، وبه قال مالك. وقال قوم: بل النفل إنما يكون مخمس الخمس وهو حظ الامام فقط، وهو الذي اختاره الشافعي. وقال قوم: بل النفل من جملة الغنيمة، وبه قال أحمد وأبو عبيدة. ومن هؤلاء من أجاز تنفيل جميع الغنيمة. والسبب في اختلافهم: هو هل بين الآيتين الواردتين في المغانم تعارض أم هما على التخيير؟ أعني قوله تعالى:
* (واعلموا أنما غنمتم من شئ) * الآية، وقوله تعالى: * (يسألونك عن الأنفال) * الآية.
فمن رأى أن قوله تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه) * ناسخا لقوله تعالى: * (يسألونك عن الأنفال) * قال: لا نفل إلا من الخمس أو من خمس الخمس.
ومن رأى أن الآيتين لا معارضة بينهما وأنها على التخيير، أعني أن للامام أن ينفل من رأس الغنيمة من شاء، وله إلا ينفل بأن يعطي جميع أرباع الغنيمة للغانمين قال بجواز النفل من رأس الغنيمة. ولاختلافهم أيضا سبب آخر وهو اختلاف الآثار في هذا الباب، وفي ذلك أثران: أحدهما: ما روى مالك عن ابن عمر أن