العلو جعلها كما يقولون - قاصرة: أي خاصة بذلك الحكم دون غيره، لم يجز ذلك . الباب الخامس من الجملة ثالثة: وهو القول في صلاة الخوف اختلف العلماء في جواز صلاة الخوف بعد النبي عليه الصلاة والسلام، وفي صفتها فأكثر العلماء على أن صلاة الخوف جائزة لعموم قوله تعالى: * (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة) * الآية. ولما ثبت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام، وعمل الأئمة والخلفاء بعده بذلك. وشذ أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة فقال: لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي (ص) بإمام واحد، وإنما تصلى بعده بإمامين، يصلي واحد منهما بطائفة ركعتين، ثم يصلي الاخر بطائفة أخرى، وهي الحارسة ركعتين أيضا، وتحرس التي قد صلت. والسبب في اختلافهم: هل صلاة النبي (ص) بأصحابه صلاة الخوف هي عبادة، أو هي لمكان فضل النبي (ص)؟ فمن رأى أنها عبادة لم ير أنها خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام، ومن رآها لمكان فضل النبي عليه الصلاة والسلام رآها خاصة بالنبي عليه الصلاة والسلام، وإلا فقد كان يمكننا أن ينقسم الناس على إمامين، وإنما كان ضرورة اجتماعهم على إمام واحد خاصة من خواص النبي عليه الصلاة والسلام، وتأيد عنده هذا التأويل بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة) * الآية ومفهوم الخطاب أنه إذا لم يكن فيهم، فالحكم غير هذا الحكم. وقد ذهبت طائفة من فقهاء الشام إلى أن صلاة الخوف تؤخر عن وقت الخوف إلى وقت الامن، كما فعل رسول الله (ص) يوم الخندق، والجمهور على أن ذلك الفعل يوم الخندق كان قبل نزول صلاة الخوف، وأنه منسوخ بها. وأما صفة صلاة الخوف، فإن العلماء اختلفوا فيها اختلافا كثيرا، لاختلاف الآثار في هذا الباب: أعني المنقولة من فعله (ص) في صلاة الخوف، والمشهور من ذلك سبع صفات، فمن ذلك ما أخرجه مالك ومسلم من حديث صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله (ص) يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه، وصفت طائفة وجاه العدو، فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاتهم، ثم ثبت هم، وبهذا الحديث قال الشافعي. وروى مالك هذا الحديث بعينه عن القاسم بن محمد عن صالح بن خوات موقوفا كمثل حديث يزيد بن رومان أنه لما قضى الركعة بالطائفة الثانية سلم، ولم ينتظرهم حتى يفرغوا من الصلاة، واختار مالك هذه الصفة. فالشافعي آثر المسند على الموقوف، ومالك آثر الموقوف، لأنه أشبه بالأصول:
(١٤١)