من الرأس. وقال أبو حنيفة، وأصحابه مسحهما فرض كذلك، إلا أنهما يمسحان مع الرأس بماء واحد. وقال الشافعي: مسحهما سنة ويجدد لهما الماء، وقال بهذا القول جماعة أيضا من أصحاب مالك، ويتأولون أيضا أنه قوله لما روي عنه أنه قال حكم مسحهما حكم المضمضة. وأصل اختلافهم في كون مسحهما سنة، أو فرضا: اختلافهم في الآثار الواردة بذلك أعني مسحه عليه الصلاة والسلام أذنيه هل هي زيادة على ما في الكتاب من مسح الرأس، فيكون حكمهما أن يحمل على الندب لمكان التعارض الذي يتخيل بينها وبين الآية، إن حملت على الوجوب، أم هي مبينة للمجمل الذي في الكتاب فيكون حكمهما حكم الرأس في الوجوب؟ فمن أوجبهما جعلها مبينة لمجمل الكتاب، ومن لم يوجبهما جعلها زائدة كالمضمضة. والآثار الواردة بذلك كثيرة، وإن كانت لم تثبت في الصحيحين، فهي قد اشتهر العمل بها. وأما اختلافهم في تجديد الماء لهما، فسببه تردد الاذنين بين أن يكونا عضوا مفردا بذاته من أعضاء الوضوء، أو يكونا جزءا من الرأس، وقد شذ قوم فذهبوا إلى أنهما يغسلان مع الوجه، وذهب آخرون إلى أنه يمسح باطنهما مع الرأس، ويغسل ظاهرهما مع الوجه، وذلك لتردد هذا العضو بين أن يكون جزءا من الوجه أو جزءا من الرأس، وهذا لا معنى له مع اشتهار الآثار في ذلك بالمسح، واشتهار العمل به. والشافعي يستحب فيهما التكرار كما يستحبه في مسح الرأس.
المسألة العاشرة من الصفات: اتفق العلماء على أن الرجلين من أعضاء الوضوء، واختلفوا في نوع طهارتهما، فقال قوم: طهارتهما الغسل وهم الجمهور وقال قوم: فرضهما المسح وقال قوم: بل طهارتهما تجوز بالنوعين: الغسل والمسح، وإن ذلك راجع إلى اختيار المكلف. وسبب اختلافهم: القراءتان المشهورتان في آية الوضوء: أعني قراءة من قرأ وأرجلكم بالنصب عطفا على المغسول وقراءة من قرأ وأرجلكم بالخفض عطفا على فض ظاهرة في المسح كظهور تلك في الغسل، فمن ذهب إلى أن فرضهما واحد من هاتين الطهارتين على التعيين، إما الغسل، وإما المسح: ذهب إلى ترجيح ظاهر إحدى القراءتين على القراءة الثانية، وصرف بالتأويل ظاهر القراءة الثانية إلى معنى ظاهر القراءة التي ترجحت عنده. ومن اعتقد أن دلالة كل واحدة من القراءتين على ظاهرها على السواء، وأنه ليست إحداهما على ظاهرها أدل من الثانية على ظاهرها أيضا، جعل ذلك من الواجب المخير ككفارة اليمين وغير ذلك. وبه قال الطبري وداود.
وللجمهور تأويلات في قراءة الخفض، أجودها أن ذلك عطف على اللفظ لا على المعنى، إذ كان ذلك موجودا في كلام العرب مثل قول الشاعر: