احتج قوم لوجوبها بقوله تعالى: * (فاسعوا إلى ذكر الله) * وقالوا: هو الخطبة.
المسألة الثانية: واختلف الذين قالوا بوجوبها في القدر المجزئ منها، فقال ابن القاسم: هو أقل ما ينطلق عليه اسم خطبة في كلام العرب من الكلام المؤلف المبدوء بحمد الله. وقال الشافعي: أقل ما يجزئ من ذلك خطبتان اثنتان يكون في كل واحدة منهما قائما يفصل إحداهما من الاخر بجلسة خفيفة يحمد الله في كل واحدة منهما في أولها، ويصلي على النبي (ص) ويوصي بتقوى الله ويقرأ شيئا من القرآن في الأولى، ويدعو في الآخرة. والسبب في اختلافهم: هو هل يجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي، أو الاسم الشرعي فمن رأى أن المجزئ أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي لم يشترط فيها شيئا من الأقوال التي نقلت عنه (ص) فيها. ومن رأى أن المجزئ من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم الشرعي اشترط فيها أصول الأقوال التي نقلت من خطبه (ص): أعني الأقوال الراتبة غير المتبدلة. والسبب في هذا الاختلاف: أن الخطبة التي نقلت عنه فيها أقوال راتبة وغير راتبة، فمن اعتبر الأقوال الغير راتبة، وغلب حكمها، قال: يكفي من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم اللغوي، أعني اسم خطبة عند العرب. ومن اعتبر الأقوال الراتبة، وغلب حكمها قال: لا يجزئ من ذلك إلا أقل ما ينطلق عليه اسم الخطبة في عرف الشرع واستعماله. وليس من شرط الخطبة عند مالك الجلوس، وهو شرط كما قلنا عند الشافعي، وذلك أنه من اعتبر المعنى المعقول منه من كونه استراحة للخطيب، لم يجعله شرطا، ومن جعل ذلك عبادة، جعله شرطا.
المسألة الثالثة: اختلفوا في الانصات يوم الجمعة والامام يخطب على ثلاثة أقوال:
منهم من رأى أن الانصات واجب على كل حال، وأنه حكم لازم من أحكام الخطبة، وهم الجمهور ومالك، والشافعي، وأبو حنيفة، وأحمد بن حنبل، وجميع فقهاء الأمصار. وهؤلاء انقسموا ثلاثة أقسام: فبعضهم أجاز التشميت، ورد السلام في وقت الخطبة، وبه قال الثوري، والأوزاعي، وغيرهم، وبعضهم لم يجز رد السلام، ولا التشميت، وبعضهم فرق بين السلام، والتشميت، فقالوا: يرد السلام ولا يشمت، والقول الثاني: مقابل القول الأول، وهو أن الكلام في حال الخطبة جائز إلا في حين قراءة القرآن فيها، وهو مروي عن الشعبي، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي. والقول الثالث: الفرق بين أن يسمع الخطبة، أو لا يسمعها، فإن سمعها أنصت، وإن لم يسمع جاز له أن يسبح، أو يتكلم في مسألة من العلم، وبه قال أحمد وعطاء، وجماعة، والجمهور على أنه إن تكلم لم تفسد صلاته، وروي عن ابن وهب أنه قال: من لغا، فصلاته ظهر أربع. وإنما صار الجمهور لوجوب الانصات