الهيئة، فلم يشترط في الهيئة التي يكون منها خروج الحدث غالبا لا الطول ولا الاستثقال، واشترط ذلك في الهيئات التي لا يكون خروج الحدث منها غالبا.
المسألة الثالثة: اختلف العلماء في إيجاب الوضوء من لمس النساء باليد، أو بغير ذلك من الأعضاء الحساسة، فذهب قوم إلى: أن من لمس امرأة بيده مفضيا إليها ليس بينها وبينه حجاب، ولا ستر، فعليه الوضوء، وكذلك من قبلها، لان القبلة عندهم لمس ما، سواء التذ أو لم يلتذ، وبهذا القول قال الشافعي وأصحابه إلا أنه مرة فرق بين اللامس والملموس، فأوجب الوضوء على اللامس دون الملموس، ومرة سوى بينهما، ومرة فرق أيضا بين ذوات المحارم والزوجة فأوجب الوضوء على من لمس الزوجة دون ذوات المحارم ومرة سوى بينهما. وذهب آخرون إلى إيجاب الوضوء من اللمس إذا فارقته اللذة، أو قصد اللذة في تفصيل لهم في ذلك، وقع بحائل أو بغير حائل بأي عضو اتفق ما عدا القبلة، فإنهم لم يشترطوا لذة في ذلك وهو مذهب مالك وجمهور أصحابه ونفى قوم إيجاب الوضوء لمن لمس النساء، وهو مذهب أبي حنيفة ولكل سلف من الصحابة إلا اشتراط اللذة، فإني لا أذكر أحدا من الصحابة اشترطها. وسبب اختلافهم: في هذه المسألة اشتراك اسم اللمس في كلام العرب. فإن العرب تطلقه مرة على اللمس الذي هو باليد، ومرة تكني به عن الجماع فذهب قوم إلى أن اللمس الموجب للطهارة في آية الوضوء هو الجماع في قوله تعالى: * (أو لامستم النساء * وذهب آخرون إلى أنه اللمس باليد. ومن هؤلاء من رآه من باب العام، أريد به الخاص، فاشترط فيه اللذة، ومنهم من رآه من باب العام أريد به العام، فلم يشترط اللذة فيه ومن اشترط اللذة فإنما دعاه إلى ذلك ما عارض عموم الآية من أن النبي (ص) كان يلمس عائشة عند سجوده بيده، وربما لمسته، وخرج أهل الحديث حديث حبيب بن أبي ثابت عن عروة، عن عائشة، عن النبي (ص): أنه قبل بعض نسائه، ثم خرج إلى الصلاة، ولم يتوضأ، فقلت: من هي إلا أنت؟ فضحكت. قال أبو عمر هذا الحديث وهنه الحجازيون، وصححه الكوفيون، وإلى تصحيحه مال أبو عمر بن عبد البر قال: وروي هذا الحديث أيضا من طريق معبد بن نباتة، وقال الشافعي: إن ثبت حديث معبد بن نباتة في القبلة لم أر فيها، ولا في اللمس وضوءا. وقد اجتمع من أوجب الوضوء من اللمس باليد بأن اللمس ينطلق حقيقة على اللمس باليد. وينطلق مجازا على الجماع وأنه إذا تردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز، فالأولى أن يحمل على الحقيقة حتى يدل الدليل على المجاز، ولأولئك أن يقولوا: إن المجاز إذا كثر استعماله كان أدل على المجاز منه على الحقيقة كالحال في