حكم الله تعالى. وحكم رسوله عليه السلام بأنه يمكن أمر كذا وبيقين يدري كل مسلم أنه قد يمكن أن يكذب الشاهد ويكذب الحالف ويكذب المدعى أن فلانا قتله هذا أمر لا يقدر أحد على دفعه فينبغي على هذا القول الذي ردوا به حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالفوه أن لا يقتلوا أحدا بشهادة شاهدين فقد يكذبان وليس القود بالشاهدين اجماعا فيتعلق به لان الحسن يقول: لا يقبل في القود الا أربعة * ثم نرجع إلى مسألتنا فنقول وبالله تعالى التوفيق: أنه لا يحل لمسلم يدري أن وعد الله حق أن يعترض على ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم بان يقول: لا يجوز هذا الحكم لأنه قد يمكن أن يرميه قاتله على باب غيره ونعم هذا ممكن أترى لو أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل أهل مدينة بأسرها أو يقتل أمهاتنا وآبائنا وأنفسنا كما امر موسى عليه السلام قومه بقتل أنفسهم إذ أخبر الله تعالى بذلك في قوله: (فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم) أكان يكون في الاسلام نصيب لمن يعند عن ذلك ان هذا لعظيم جدا، والعجب كله ان ذلك الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم حكم ظاهر معلق في دم رجل من بني حارثة من الأنصار على يهود خيبر وبينهما من المسافة ستة وتسعون ميلا مائة ميل غير أربعة أميال تتردد في ذلك الرسل وتختلف الكتب ويقع في ذلك التوعد بالحرب كما صح عنه عليه السلام أنه قال: " اما ان يدوا صاحبكم أو يؤذنوا بحرب " فهذا أمر لا يشك ذو حس سليم من مؤمن أو كافر في أنه لم تخف هذه القصة ولا هذا الحكم على أحد من المسلمين بالمدينة ولا عن اليهود ولا اسلام يومئذ في غير المدينة إلا من كان مهاجرا بالحبشة أو مستضعفا بمكة لان ذلك كان قبل فتح خيبر لان في الحديث الثابت الذي أوردناه قبل من طريق سليمان ابن بلال عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار ان خيبر كانت يومئذ صلحا ولم تكن قط صلحا بعد فتحها عنوة بل كانوا ذمة تجرى عليهم الصغار لا يسمون صلحا ولا يمكنون من أن يأذنوا بحرب، فصح يقينا أن ذلك الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلم اجماع من جميع الصحابة رضي الله عنهم أولهم وآخرهم بيقين لا مجال للشك فيه * قال أبو محمد رحمه الله: فان قال قائل: فما تقولون في قتيل يوجد وفيه رمق فيحمل فيموت في مكان آخر أو في الطريق أو يموت أثر وجودهم له وفيه حياة؟
فجوابنا أنه لا قسامة في هذا وإنما فيه التداعي فقط يكلف أولياؤه البينة سواء ادعى هو على أحد أو لم يدع، فان جاؤوا بالبينة قضى لهم بما شهدت به بينتهم وان لم يأتوا بالبينة حلف المدعى عليهم يمينا واحدة إن كان واحدا فان كانوا أكثر من واحد