لأنه يقول لنا لا تطيعوا هذا الامر من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فواجب علينا عصيان من أمر بذلك إلا أن يأتي نص جلي بين يشهد بأن هذا الامر منسوخ أو اجماع على ذلك أو بتاريخ ثابت مبين أن أحدهما ناسخ للآخر وأما نحن فان قولنا هو ان الله تعالى قد تكفل بحفظ دينه وأكمله ونهانا عن اتباع الظن فلا يجوز البتة أن يرد نصان يمكن تخصيص أحدهما من الآخر وضمه إليه الا وهو مراد الله تعالى منها بيقين وأنه لا نسخ في ذلك بلا شك أصلا ولو كان في ذلك نسخ لبينه الله تعالى بيانا جليا ولما تركه ملتبسا مشكلا حاش لله من هذا * قال أبو محمد رحمه الله: فلم يبق الا أن يرد نصان ممكن أن يكون أحدهما مخصوصا من الآخر لأنه أقل معاني منه وقد يمكن أن يكون منسوخا بالأعم ويكون البيان قد جاء بأن الأخص قبل الأعم بلا شك فهذا إن وجد فالحكم فيه النسخ ولا بد حتى يجئ نص آخر أو إجماع متيقن على أنه مخصوص من العام الذي جاء بعده، برهان ذلك أن الله تعالى قال في كتابه: (تبيانا لكل شئ) وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتبين للناس ما نزل إليهم) والبيان بلا شك هو ما اقتضاه ظاهر اللفظ الوارد ما لم يأت نص آخر أو اجماع متيقن على نقله عن ظاهره فإذا اختلف الصحابة فالواجب الرد إلى ما افترض الله تعالى الرد إليه إذ يقول:
(فان تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) الآية، وقد صح أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله في الرابعة ولم يصح نسخه ولو صح لقلنا به ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم * 2289 مسألة الخليطين - قد ذكرنا فيما يحل ويحرم من الأشربة أن التمر والرطب. والزهو. والبسر. والزبيب هذه الخمسة خاصة دون سائر الأشياء يحل أن ينبذ كل واحد منهما على انفراده ولا يحل أن ينبذ شئ منها مع شئ آخر لا منها ولا من سائرها في العالم وأنه لا يحل أن يخلط نبيذ شئ بعد طيبه أو قبل طيبه لا بشئ آخر ولا بنبيذ شئ آخر لا منها ولا من غيرها أصلا وأما ما عدا هذه الخمسة فجائز أن ينبذ منها الشيئان والأكثر معا وأن يخلط نبيذ اثنين منها فصاعدا أو عصير اثنين فصاعدا وبينا السنن الواردة في ذلك فمن شرب من الخليطين المحرمين مما ذكرنا شيئا لا يسكر فقد شرب حراما كالدم والبول ولا حد في ذلك لأنه لم يشرب خمرا ولا حد الا في الخمر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من شرب الخمر فاجلدوه " وللآثار الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر، ولقوله عليه السلام: " كل مسكر خمر " فإن لم يكن خمرا فلا حد فيه وإنما فيه التعزير فقط لأنه أتى منكرا، وأما كل خليطين مما ذكرنا من غير ذلك إذا أسكر فهو خمر وعلى شاربه حد الخمر لما ذكرنا وبالله تعالى التوفيق *