قال أبو محمد: فهذا خبر صحيح، وقد عرف الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من سحره فلم يقتله (فان قيل): فان في هذا الحديث انه كان منافقا وفى بعض رواياته أنه كان يهوديا وأنتم تقولون ان الكافر إذا أضر بمسلم وجب قتله وبرئت منه الذمة وأن المنافق إذا عرف وجب قتله (قلنا): اننا كذلك نقول لان البرهان قام بذلك * وأما الذمي إذا أضر بمسلم فلقول الله تعالى: (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) فإنما حرمت دماء أهل الكتاب بالتزام الصغار فإذا فارقوا الصغار فقد برئت ذمتهم وسقط تحريم دمائهم وعادت حلالا كما كانت لان الله تعالى أباح دماءهم أبدا إلا بالصغار فإذا لم يكن الصغار فدماؤهم لم تحرم وهم إذا أضروا بمسلم فلم يصغروهم وقد أصغروه فدماؤهم حلال، وأما المنافق فإذا عرف أنه كافر فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " فهذا المنافق أو اليهودي نحن على يقين لا مرية فيه أنه لم يكن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بعد بقتل من بدل دينه ولا بقتل من لم يلتزم الصغار من أهل الذمة، برهان ذلك لا يشك أنه من في قلبه مقدار ذرة من إيمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعمد عصيان ربه فلو أمره ربه تعالى بقتلهم لأنفذ ذلك فإذ لم يقتله عليه السلام فبيقين نقطع ونبت أن ذلك كان قبل نزول الآية بقتل أهل الكتاب ما لم يؤدوا الجزية مع الصغار وقبل أن ينزل عليه الامر بقتل من بدل دينه * (فان قالوا): قولوا كذلك في الساحر (قلنا): نعم هكذا نقول وهو أن الساحر بهذا الخبر حرام الدم وكذلك اليهودي يضر بالمسلم فكيف بسيد أهل الاسلام صلى الله عليه وسلم، وكذلك من أعلن الاسلام وأسر الكفر ثم صح أمر الله تعالى بتحريم دماء أهل الكتاب بالجزية مع الصغار وإباحتها بعدم ذلك وصح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل من بدل دينه فصرنا إلى ذلك ولم يأت أمر صحيح بقتل الساحر فبقي على تحريم الدم فارتفع الاشكال جملة وبالله تعالى التوفيق * 2305 مسألة - التعزير * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في مقدار التعزير فقالت طائفة: ليس له مقدار محدود وجائز أن يبلغ به الامام ما رآه وان يجاوز به الحدود بالغا ما بلغ - وهو قول مالك - وأحد أقوال أبي يوسف وهو قول أبي ثور. والطحاوي من أصحاب أبي حنيفة - * وقالت طائفة: التعزير مائة جلدة فأقل، وقالت طائفة: أكثر التعزير مائة جلدة الا جلدة، وقالت طائفة:
أكثر التعزير تسعة وسبعون سوطا فأقل - وهو أحد أقوال أبي يوسف، وقالت