رمى أحدا بالزنا إلا أن يأتي ببينة ثم نظرنا في التي تشتكي بانسان أنه غلبها على نفسها فوجدناها لا تخلو من أن تكون قاذفة أو تكون غير قاذفة فان كانت قاذفة فالحد واجب عليها بلا شك إذ لا خلاف في أن قاذف الفاسق يلزمه الحد كقاذف الفاضل ولا فرق، والقذف هو ما قصد به العيب والذم وهذه ليست قاذفة إنما هي مشتكية مدعية وإذ ليست قاذفة فلا حد للقذف عليها ولكن تكلف البينة فان جاءت بها أقيم عليه حد الزنا وإن لم تأت بها فلا شئ عليه أصلا لا سجن ولا أدب ولا غرامة لان ماله محرم وبشرته محرمة ومباح له المشي في الأرض، قال الله تعالى: (فامشوا في مناكبها) (فان قال قائل): فإن لم تكن بينة فاقضوا عليه باليمين بهذا الخبر (قلنا): وبالله تعالى التوفيق ان دعواها انتظم حقا لها وحقا لله تعالى ليس لها فيه دخول ولا خروج فحقها هو التعدي عليها وظلمها وحق الله تعالى هو الزنا فواجب أن يحلف لها في حقها فيحلف بالله ما تعديت عليك في شئ ولا ظلمتك وتبرأ ذمته ولا يجوز أن يحلف بالله ما زنى لأنه لا خلاف في أن أحدا لا يحلف في حق ليس له فيه مدخل، ولا يختلف اثنان في أن من قال إنك غصبتني وزيدا دينارا فإنه إنما يحلف له في حقه من الدينار لا في حق زيد وهكذا في كل شئ، وأما الفرق بين الذم والشكوى فإنهم لا يختلفون فيمن قال لآخر ابتداء أو في كلام بينهما يا ظالم يا غاصب انه مسئ، فمن قائل عليه الأدب، ومن قائل للآخر أن يقول له مثل ذلك ولا يختلفون فيمن شكا بآخر فقال ظلمني وأخذ مالي بغير حق أنه لا شئ عليه وأنه ليس مسيئا بذلك فصح الفرق بين الشكوى وبين الاعتداء بالسب والقذف وبالله تعالى التوفيق * 2242 مسألة - فيمن قذف وهو سكران - قال أبو محمد رحمه الله: قد ذكرنا في مواضع كثيرة حكم السكران وأنه غير مؤاخذ بشئ أصلا الا حد الخمر فقط الا أننا نذكر عمدة حجتنا في ذلك باختصار إن شاء الله تعالى * قال أبو محمد رحمه الله: قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون) فشهد الله تعالى وهو أصدق شاهد أن السكران لا يدري ما يقول وإذا لم يدر ما يقول فلا شئ عليه ولم يختلف أحد من الأمة في أن امرءا لو نطق بلفظ لا يدري معناه وكان معناه كفرا. أو قذفا. أو طلاقا فإنه لا يؤاخذ بشئ من ذلك فإذا كان السكران لا يدري ما يقول فلا يجوز أن يؤاخذ بشئ مما يقول قذفا كان أو غير قذف (فان قالوا): كان هذا قبل تحريم الخمر (قلنا). نعم فكان ماذا؟ والأمة كلها مجمعة بلا خلاف من أحد منها على أن حكم هذه الآية باق لم ينسخ وأنه لا يحل لسكران أن يقرب الصلاة حتى يدري ما يقول. وكذلك لا يختلف اثنان
(٢٩٣)