ومن الناس من يرى الحد على من زنى بميتة فان من فرق بين ما رأوه من ذلك وبين القود له من الجرح والكسر، وليس هذا قياسا لأنه ليس بعض ذلك أصلا لبعض، بل كله باب واحد من عمل عملا جاء النص بايجاب حكم على عامل ذلك العمل فواجب انفاذ ذلك الحكم على من عمل ذلك العمل * قال أبو محمد رحمه الله: وهذا قول يؤيده النظر ويشهد له القرآن والسنن بالصحة وما نعلم ههنا قولا لاحد من الصحابة رضي الله عنهم يمنع منه فكيف ان يصح الاجماع من جميعهم على المنع منه، هذا امر لا سبيل إلى وجوده أبدا ولو كان حقا لوجد بلا شك ولما اختفي فالواجب المصير إلى ما أوجبه القرآن والسنة وان لم يعلم قائل بذلك إذا لم يصح اجماع متيقن بتخصيص النص أو بنسخه وبالله تعالى التوفيق * 2133 مسألة (1) الوكالة في القود * قال أبو محمد رحمه الله: أمر الولي بأن يؤخذ له القود جائز لبراهين، أولها قول الله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) والقود بر وتقوى فالتعاون فيه واجب، وثانيها ما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بالقود من اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بالحجر فكان أمره عليه السلام عموما لكل من حضر، وثالثها اجماع الأمة على أن السلطان إذا أوجب له ما للولي من القتل فإنه يأمر من يقتل والسلطان ولي من الأولياء فلا يجوز تخصيصه بذلك دون سائر الأولياء * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ ذلك كذلك فجائز إذا أمر الولي من يأخذ له القود أن يغيب فيستقيد المأمور وهو غائب إذ قد وجب القود بيقين أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يشترط حضور الولي في ذلك من مغيب وما كان ربك نسيا، فان غاب الولي ثم عفا فليس عفوه بشئ ولا شئ على القاتل ولا يصح عفو الولي إلا بان يبلغ ذلك المأمور بالقود ويصح عنده * برهان ذلك أن الله تعالى قد أباح للمأمور بأخذ القود وأن يأتمر للآمر له بذلك وأباح له دم المستفاد منه وأعضاءه بيقين لا شك فيه فإذا عفا الولي في غير علم المأمور بالقود فهو مضار، والمضار متعد والمتعدي ظالم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليس لعرق ظالم حق " فلا حق لذلك العفو الذي هو مضارة محضة وهو غير العفو الذي حض الله تعالى عليه ورسوله عليه السلام، لان العفو الذي حض الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو طاعة وعفو المضارة معصية والمعصية غير الطاعة، وهذا العفو بعد الامر هو عفو بخلاف العفو الذي أمر الله تعالى به نادبا إليه وإذ هو غيره فهو باطل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " فهو غير لازم لذلك العافي وهو باق على قوده، فلو بعث رسولا إلى المأمور بالقود فلا حكم له
(٤١)