(لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) موجبا أن لا يجلد أحد إلا على حسب طاقته من الألم وكان نصا جليا في ذلك لا يجوز مخالفته أصلا، وبضرورة العقل ندري أن ابن نيف وثلاثين قوي الجسم مصبر الخلق يحمل من الضرب من قوته ما لا يحمله الشيخ ابن ثمانين والغلام ابن خمسة عشر عاما وأربعة عشر عاما إذا بلغ وأصاب حدا، وكذلك يؤلم الشيخ الكبير والغلام الصغير من الجلد مالا يؤلم ابن الثلاثين الشاب القوي بل لا يكاد يحس إلا حسا لطيفا ما يؤلم ذينك الألم الشديد، وأن الذي يؤلم الشاب القوي لو قوبل به الشيخ الهرم والصغير النحيف من الجلد لقتلهما، هذا أمر لا يدفعه إلا مدافع للحس والمشاهدة، ووجدنا المريض يؤلمه أقل شئ مما لا يحسه الصحيح أصلا إلا كما يحس بثيابه التي ليس لحسه لها في الألم سبيل أصلا وعلى حسب شدة المرض يكون تألمه للكلام وللتلف وللمس اليد بلطف، هذا ما لا شك فيه أصلا ومن كابر هذا فإنما يكابر العيان والمشاهدة والحس، فوجدنا المريض إذا أصاب حدا من زنا أو قذف أو خمر لابد فيه من أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن يعجل له الحد وإما أن يؤخر عنه (فان قالوا) يؤخر (قلنا لهم): إلى متى؟ (فان قالوا) إلى أن يصح (قلنا لهم). ليس لهذا أمد محدود وقد تتعجل الصحة وقد تبطئ عنه. وقد لا يبرأ فهذا تعطيل للحدود وهذا لا يحل أصلا لأنه خلاف أمر الله تعالى في إقامة الحدود فلم يبق إلا تعجيل الحد كما قلنا نحن، ويؤكد ذلك قول الله تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) فصح أن الواجب أن يجلد كل واحد على حسب وسعه الذي كلفه الله تعالى أن يصبر له، فمن ضعف جدا جلد بشمراخ فيه مائة عثكول جلدة واحدة أو فيه ثمانون عثكالا كذلك. ويجلد في الخمر إن اشتد ضعفه بطرف ثوب على حسب طاقة كل أحد ولا مزيد، وبهذا نقول ونقطع أنه الحق عند الله تعالى بيقين وما عداه فباطل عند الله تعالى وبه التوفيق * 2191 مسألة - بكم من مرة من الاقرار تجب الحدود على المقر؟ * قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا فقالت طائفة: باقراره مرة واحدة تجب إقامة الحدود وهو قول الحسن بن حي، وحماد بن أبي سليمان، وعثمان البتي، ومالك، والشافعي، وأبي ثور، وأبي سليمان. وجميع أصحابهم، وقالت طائفة: لا يقام على أحد حد الزنا باقراره حتى يقر على نفسه أربع مرات ولا يقام عليه حد القطع والسرقة حتى يقربه مرتين وحد الخمر مرتين، وأما في القذف فمرة واحدة وهو قول روي عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة *
(١٧٦)