فإنما حكم له بالكفر بقوله فقط فقوله هو الكفر ومن قطع على أنه في ضميره وقد أخبر الله تعالى عن قوم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم فكانوا بذلك كفارا كاليهود الذين عرفوا صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم وهم مع ذلك كفار بالله تعالى قطعا بيقين إذ أعلنوا كلمة الكفر * قال أبو محمد رحمه الله: فإذ قد سقط هذا القول فالواجب أن ننظر فيما احتجت به الطائفة القائلة إن من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو نبيا من الأنبياء. أو ملكا من الملائكة عليهم السلام فهو بذلك القول كافر سواء اعتقده بقلبه أو اعتقد الايمان بقلبه فوجدناهم يذكرون قول الله تعالى: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم) وقال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي) الآية، وقوله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم) قال فقضى الله عز وجل وقسم وحكم أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما شجر ثم لا يجد في نفسه حرجا من شئ مما قضى به ويسلم تسليما، قالوا وبضرورة الحس والمشاهدة ندري أن من سب الله تعالى أو النبي صلى الله عليه وسلم أو ملكا من الملائكة أو نبيا من الأنبياء على جميعهم السلام أو شيئا من الشريعة أو استخف بشئ من ذلك كله فلم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم لما أتى به من تعظيم الله تعالى واكرام الملائكة والنبيين وتعظيم الشريعة التي هي شعائر الله تعالى فصح أنه لم يؤمن فقد كفر إذ ليس الا مؤمن أو كافر قالوا: وقد نص الله تعالى باحباط عمل من رفع صوته على صوت النبي صلى الله عليه وسلم واحباط العمل لا يكون الا بالكفر فقط ورفع الصوت على صوت النبي صلى الله عليه وسلم يدخل فيه الاستخفاف به عليه السلام والسب له والمعارضة من حاضر وغائب قالوا: وكان قوله تعالى في المستهزئين بالله وبآياته ورسوله أنهم كفروا بذلك بعد إيمانهم فارتفع الاشكال وصح يقينا أن كل من استهزأ بشئ من آيات الله وبرسول من رسله فإنه كافر بذلك مرتد، وقد علمنا أن الملائكة كلهم رسل الله تعالى قال الله تعالى: (جاعل الملائكة رسلا) وكذلك علمنا بضرورة المشاهدة أن كل ساب وشاتم فمستخف بالمشتوم مستهزئ به فالاستخفاف والاستهزاء شئ واحد * قال أبو محمد رحمه الله: ووجدنا الله تعالى قد جعل إبليس باستخفافه بآدم عليه السلام كافرا لأنه إذ قال: (أنا خير منه) فحينئذ أمره تعالى بالخروج من الجنة ودحره وسماه كافرا بقوله (وكان من الكافرين)، وحدثنا حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد
(٤١٢)