عن غير واحد عن ابن المسيب أنه قال: سنة الحد أن يستتاب صاحبه إذا فرغ من جلده قال سعيد بن المسيب: ان قال قد تبت وهو غير رضى لم تقبل شهادته * قال أبو محمد رحمه الله: وبهذا نقول لان التوبة فرض من الله تعالى على كل مذنب ولان الدعاء إلى التوبة فرض على كل مسلم قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم) الآية وإذا كان هذا الاصرار على الذنب حراما باجماع الأمة كلها المتيقن فالتوبة والاقلاع فرض باجماع الأمة كلها لا خلاف في ذلك، قال الله تعالى: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وقال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير) الآية * قال أبو محمد رحمه الله: فلما كانت التوبة من سبيل الله تعالى المفترض سلوكها وكانت من الخير والمعروف كان فرضا على كل مسلم أن يدعو إليها بالنصوص التي ذكرنا واستتابة المذنب قبل إقامة الحد عليه واجبة لقول الله تعالى: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) فالمسارعة إلى الفرض فرض فإن لم يستتبه الامام أو من حضره الا حتى أقيم عليه الحد فواجب أن يستتاب بعد الحد على ما ذكرنا فإن لم يتب فأقيم عليه استتيب فان تاب أطلق ولا سبيل عليه بحبس أصلا لأنه قد أخذ حق الله تعالى منه الذي لاحق له قبله سواه، فالزيادة على ذلك تعد لحدود الله تعالى وهذا حرام * 2172 مسألة قال أبو محمد رحمه الله: فان قال: لا أتوب فقد أتى منكرا فواجب أن يعزر على ما نذكره في كتاب التعزير إن شاء الله تعالى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان " فيجب أن يضرب أبدا حتى يتوب هذا ان صرح بأن لا يتوب، فإذا أدى ذلك إلى منيته فذلك عقيرة الله وقتيل الحق لا شئ على متولى ذلك لأنه أحسن فيما فعل به، وقد قال الله تعالى: (ما على المحسنين من سبيل) فان سكت ولم يقل أتوب ولا لا أتوب فواجب حبسه وإعادة الاستتابة عليه أبدا حتى ينطق بالتوبة فيطلق * برهان ذلك أنه قد صح منه الذنب ووجبت عليه التوبة ولا تعرف توبته الا بنطقه بها فهو ما لم ينطق بها وبالاصرار فممكن أن يتوب في نفسه وممكن أن لا يتوب فلما كان كلا الامرين ممكنا لم يحل ضربه لأنه لم يأت بمنكر تيقن أنه أتى به ولم يجز تسريحه لان فرضا عليه دعاؤه إلى التوبة حتى يتوب ولا سبيل إلى امساكه وبالله تعالى التوفيق * وهكذا أبدا متى تاب ثم واقع الذنب أو غيره فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ان مرسلان في أنه استتاب السارق بعد قطع يده كما حدثنا حمام
(١٤٠)