رحمه الله: فذكرنا قول ابن عباس. وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فنظرنا فيما يمكن أن يحتج به فوجدنا من طريق مسلم نا أبو الطاهر نا ابن وهب عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: " ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام " وقوله عليه السلام للمدعى: " بينتك أو يمينه ليس لك الا ذلك " قالوا: فقد سوى الله تعالى على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام بين تحريم الدماء والأموال وبين الدعوى في الدماء والأموال وأبطل كل ذلك ولم يجعله الا بالبينة أو اليمين على المدعى عليه فوجب أن يكون الحكم في كل ذلك سواء لا يفترق في شئ أصلا لا في من يحلف ولا في عدد يمين ولا في اسقاط الغرامة الا بالبينة ولا مزيد، وهذا كله حق الا أنهم تركوا ما لا يجوز تركه مما فرض الله تعالى على الناس اضافته إلى ما ذكروا وهو ان الذي حكم بما ذكروا وهو المرسل الينا من الله تعالى هو الذي حكم بالقسامة وفرق بين حكمها وبين سائر الدماء والأموال المدعاة ولا يحل أخذ شئ من أحكامه وترك سائرها إذ كلها من عند الله تعالى وكلها حق وفرض الوقوف عنده والعمل به وليس بعض أحكامه عليه السلام أولى بالطاعة من بعض ومن خالف هذا فقد دخل تحت المعصية وتحت قوله تعالى: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) ولا فرق بين من ترك حديث بينتك أو يمينه لحديث القسامة وبين من ترك حديث القسامة لتلك الأحاديث * فان قالوا: الدماء حدود ولا يمين في الحدود قيل لهم: ما هي من الحدود لان الحدود ليست موكولة إلى اختيار أحد ان شاء أقامها وان شاء عطلها بل هي واجبة لله تعالى وحده لا خيار فيها لاحد ولا حكم، وأما الدماء فهي موكولة إلى اختيار الولي ان شاء استقاد وان شاء عفا فبطل أن تكون من الحدود، وصح انها من حقوق الناس وفسد قول من فرق بينهما وبين حقوق الناس من الأموال وغيرها لا حيث فرق الله تعالى ورسوله عليه السلام بين الدماء والحقوق وغيرها وليس ذلك الا حيث القسامة فقط، وأما من جعل اليمين في دعوى الدم خمسين يمينا ولابد ولا أقل فلا حجة لهم الا أنهم قاسوا كل دعوى في الدم على القسامة والقياس كله باطل لأنهم لم يحكموا للدعوى المجردة في الدم بحكم القسامة في غير هذا الموضع لان المالكيين والشافعيين يرون في القسامة تبدية المدعين ولا يرون تبديتهم في دعوى الدم المجردة والحنيفيون يرون ايجاب الغرامة مع الايمان في القسامة ولا يرون ذلك في دعوى الدم المجردة فصح أنهم قد تركوا قياس
(٧٧)