أسمعه من كريب أم بلغه عنه ثم هو عن كريب مرسل ثم لو صح لما كان لهم في شئ منها حجة لأنه ليس في شئ منها أن لا تجلد الحدود إلا بسوط هذه صفته وإنما فيه أن الحدود جائز أن يضرب بسوط هذه صفته فقط وهذا أمر لا نأباه فسقط تعلقهم بالآثار المذكورة * وأما الأثر عن عمر رضي الله عنه فصحيح إلا أنه لا حجة لهم فيه ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سقط كل ما شغبوا به نظرنا فيما يجب في ذلك فوجدنا الله تعالى يقول في الزاني والزانية: (فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة) إلى قوله تعالى: (وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وقال تعالى:
(فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب) وقال عليه السلام: " على ابنك جلد مائة وتغريب عام " وقال تعالى في القاذف: (فاجلدوهم ثمانين جلدة) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " وقال عليه السلام: " إذا شرب فاجلدوه " ونهى عليه السلام أن يجلد أكثر من عشر جلدات في غير حد فأيقنا يقينا لا يدخله شك أن الله تعالى لو أراد أن يكون الجلد في شئ مما ذكرنا بسوط دون سوط لبينه لنا على لسان رسوله عليه السلام في القرآن وفي وحي منقول الينا ثابت كما بين صفة الضرب في الزنا وكما بين حضور طائفة من المؤمنين للعذاب في ذلك فإذ لم يفعل ذلك تعالى فبيقين ندري أن الله تعالى لم يرد قط أن يكون الضرب في الحدود بسوط خاصة دون سائر ما يضرب به فإذ ذلك كذلك فالواجب أن يضرب الحد في الزنا والقذف بما يكون الضرب به على هذه الصفة بسوط أو بحبل من شعر أو من كتان أو من قنب أو صوف أو حلفاء أو غير ذلك أو تفر أو قضيب من خيزران أو غيره إلا الخمر فان الجلد فيها على ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا معاذ بن هشام - هو الدستوائي - نا قتادة عن أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال " * ومن طريق البخاري نا قتيبة بن سعيد نا أبو ضمرة أنس بن عياض عن يزيد بن الهادي عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب فقال: " اضربوه " قال أبو هريرة:
فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه وذكر الحديث * قال أبو محمد رحمه الله: فالجلد في الخمر خاصة يكون بالجريد والنعال. والأيدي وبطرف الثوب كل ذلك أي ذلك رأي الحاكم فهو حسن ولا يمتنع عندنا أن يجلد في الخمر أيضا بسوط لا يكسر ولا يجرح ولا يعفن لحما كما روينا من طريق مسلم نا أحمد ابن عيسى نا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحرث عن بكير بن الأشج قال: