قال إن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم ورضي على الفريقان قال " ما أحسن هذا فمن أكبر ولدك؟ " قال شريح قال " فأنت أبو شريح " أخرجه النسائي وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حكم بين اثنين تراضيا به فلم يعدل بينهما فهو ملعون " ولولا أن حكمه يلزمهما لما لحقه هذا الذم ولان عمر وأبيا تحاكما إلى زيد وحاكم عمر أعرابيا إلى شريح قبل ان يوليه وتحاكم عثمان وطلحة إلى جبير بن مطعم ولم يكونوا قضاة فإن قيل فعمر وعثمان كانا إمامين فإذا ردا الحكم إلى رجل صار قاضيا. قلنا لم ينقل عنهما الا الرضى بتحكيمه خاصة وبهذا لا يصير قاضيا، وما ذكروه يبطل بما إذا رضي بتصرف وكيله فإنه يلزمه قبل المعرفة به. إذا ثبت هذا فإنه لا يجوز نقض حكمه فيما لا ينقض فيه حكم من له ولاية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة: للحاكم نقضه إذا خالف رأيه لأن هذا عقد في حق الحاكم فملك فسخه كالعقد الموقوف في حقه ولنا ان هذا حكم صحيح لازم فلم يجز فسخه لمخالفته رأيه كحكم من له ولاية، وما ذكروه غير صحيح فإن حكمه لازم للخصمين فكيف يكون موقوفا؟ ولو كان كذلك لملك فسخه وان لم يخالف رأيه، ولا نسلم الوقوف في العقود إذا ثبت هذا فإن لكل واحد من الخصمين الرجوع عن تحكيمه قبل شروعه في الحكم لأنه لا يثبت إلا برضاه فأشبه ما لو رجع عن التوكيل قبل التصرف، وان رجع بعد شروعه ففيه وجهان (أحدهما) له ذلك لأن الحكم لم يتم أشبه قبل الشروع (والثاني) ليس له ذلك لأنه يؤدي إلى أن كل واحد منهما إذا رأى من الحكم ما لا يوافقه رجع فبطل المقصود به (فصل) قال القاضي: وينفذ حكم من حكماه في جميع الأحكام الا أربعة أشياء: النكاح واللعان والقذف والقصاص لأن لهذه الأحكام مزية على غيرها فاختص الإمام بالنظر فيها ونائبه يقوم مقامه، وقال أبو الخطاب ظاهر كلام احمد انه ينفذ حكمه فيها ولأصحاب الشافعي وجهان كهذين، وإذا كتب هذا القاضي بما حكم به كتابا إلى قاض من قضاة المسلمين لزمه قبوله كتابه لأنه حاكم نافذ الأحكام فلزم قبول كتابه كحاكم الإمام
(٤٨٤)