هذا الصنف من الأحكام أحكاما ولائية وسلطانية، وقد قال الله - تعالى -: " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم. " (1) فإذا كان للإنسان أن يتصرف في نفسه وماله بعض التصرفات كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بولايته عليه أولى به في هذه التصرفات وقد عرفت أن مقتضى ولاية الفقيه في عصر الغيبة أن له كل ما كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحق الولاية الشرعية، فراجع.
هذا مضافا إلى أن إدارة المجتمع تتوقف على صرف الأموال كثيرا، ومن منابعها المهمة الموافقة لحكم العقل والعرف التغريمات المالية، فيجب أخذها لوجوب المقدمة بوجوب ذيها.
ومضافا إلى أن الولاية إذا كانت بانتخاب المجتمع للوالي فالمجازاة المالية وغيرها من المقررات يجوز اعتبارها واشتراطها في ضمن عقد الولاية للحاكم المنتخب، بل يكون انتخاب الحاكم على أساس تنفيذها وبداعي إجرائها، فتأمل.
ولكن يمكن أن يناقش بأن وظيفة الحاكم الإسلامي ليس إلا تنظيم المجتمع و إصلاحه على أساس ما أنزله الله وبينه، لاعلى أساس ما اقترحه وابتدعه. وليس الفقيه بأولى في هذا الأمر من نفس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد خاطبه الله - تعالى - بقوله: " إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله. " (2) وبقوله: " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه، فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق. " (3) وكما أن الحدود الشرعية أمور مقدرة معينة لا يجوز التخلف عنها ولا تعويضها بشيء آخر، فكذلك التعزيرات. فإن عمدة الدليل على تعميم التعزير في كل معصية كما مر هي الروايات الحاكمة بأن الله - تعالى - جعل لكل شيء حدا، وجعل على من تعدى حدا من حدود الله حدا، ولعل الظاهر منها كون التعزيرات أيضا من سنخ الحدود المقررة المعينة، أعني الجلد والضرب فيشكل التعدي عنه.